بِأَيِّ وَجْهٍ قَدَرَ عَلَيْهِ مَالًا كَانَتْ أَوْ عَرَضًا نَحْوُ قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ (إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ) سَوَاءٌ تَمَحَّضَتْ لَهُ أَمْ كَانَ فِيهَا مَعَ ذَلِكَ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ لِلَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَكَذَا نَحْوُ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ فَوْرًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «مَنْ كَانَتْ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» وَشَمِلَ الْعَمَلُ الصَّوْمَ وَبِهِ صَرَّحَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ فَمَنْ اسْتَثْنَاهُ فَقَدْ وَهِمَ، ثُمَّ تَحْمِيلُهُ لِلسَّيِّئَاتِ يَظْهَرُ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ إلَّا عَلَى مَا سَبَبُهُ مَعْصِيَةٌ، أَمَّا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْصِ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَفِي بِهِ فَإِذَا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الدَّائِنِ وَحُمِلَ عَلَيْهِ لَمْ يُعَاقَبْ بِهِ وَعَلَيْهِ فَفَائِدَةُ تَحْمِيلِهِ لَهُ تَخْفِيفُ مَا عَلَى الدَّائِنِ لَا غَيْرُ وَبِهَذَا إنْ صَحَّ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] أَيْ: لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ آثِمَةٌ إثْمَ نَفْسٍ أُخْرَى مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْمِلُهُ لِتُعَاقَبَ بِهِ، ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ وَتَخْصِيصِهِ وَأَبْقَوْا هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ حَمْلَ السَّيِّئَاتِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْحَبْسِ فَإِنْ أَفْلَسَ لَزِمَهُ الْكَسْبُ كَمَا مَرَّ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمَالِكِ وَوَارِثِهِ سَلَّمَهُ لِقَاضٍ ثِقَةٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْمَصَالِحِ عِنْدَ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ بِنِيَّةِ الْغُرْمِ لَهُ إذَا وَجَدَهُ، فَإِنْ أَعْسَرَ عَزَمَ عَلَى الْأَدَاءِ إذَا أَيْسَرَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ انْقَطَعَ عَنْهُ الطَّلَبُ فِي الْآخِرَةِ إنْ لَمْ يَعْصِ بِالْتِزَامِهِ.
وَيُرْجَى مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْوِيضُ الْمُسْتَحِقِّ وَإِذَا بَلَغَتْ الْغِيبَةُ الْمُغْتَابَ اُشْتُرِطَ اسْتِحْلَالُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهِ أَوْ تَعَسَّرَ لِغَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلَا أَثَرَ لِتَحْلِيلِ وَارِثٍ وَلَا مَعَ جَهْلِ الْمُغْتَابِ بِمَا تَحَلَّلَ مِنْهُ كَمَا فِي الْأَذْكَارِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ
ــ
[حاشية الشرواني]
إعْلَامُهُ بِهِ فَيَقُولُ أَنَا الَّذِي قَتَلْت أَبَاك وَلَزِمَنِي الْقِصَاصُ فَاقْتَصَّ إنْ شِئْت وَإِنْ شِئْت فَاعْفُ وَكَذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ رَدُّ الظُّلَامَةِ تَوَقُّفُ التَّوْبَةِ فِي الْقِصَاصِ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَلَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا نَدِمَ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ لِلْقِصَاصِ وَكَانَ تَأَخُّرُ ذَلِكَ مَعْصِيَةً أُخْرَى يَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا وَلَا يَقْدَحُ فِي الْأُولَى. اهـ. .
(قَوْلُهُ: بِأَيِّ وَجْهٍ قَدَرَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ أَمْكَنَ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ. اهـ.
(قَوْلُ الْمَتْنِ إنْ تَعَلَّقَتْ) أَيْ الظُّلَامَةُ بِمَعْنَى الْمَعْصِيَةِ وَيَصِحُّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلتَّوْبَةِ بِمَعْنَى مُوجِبِهَا لَكِنْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ ظَاهِرَةٌ فِي الْأَوَّلِ رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ مَنْ كَانَ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ التَّعْبِيرُ بِالْمَظْلِمَةِ ظَاهِرٌ فِي الْعَاصِي بِهَا فَلَا يَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَعْصِ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ فَلَا يُحْمَلُ مِنْ سَيِّئَاتِ الدَّائِنِ فَفِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَعْمِيمِ التَّحْمِيلِ نَظَرٌ. اهـ.
سم. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ إلَخْ) أَيْ غَيْرَ الْإِيمَانِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْقَوَاعِدِ) أَيْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا إلَخْ) أَيْ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ تَحْمِيلُهُ لِلسَّيِّئَاتِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْمِلُهُ إلَخْ) فِي إطْلَاقِ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّ مَا قَرَّرَهُ أَوَّلًا لَا يُفِيدُ نَفْيَ الْمُعَاقَبَةِ إلَّا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْصِ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ بَلْ قَضِيَّةُ مَا قَرَّرَهُ إنْ صَحَّ أَنَّهَا قَدْ تُحْمَلُ لِتَعَاقُبٍ فَيَحْتَاجُ لِتَخْصِيصِ الْآيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
سم. (قَوْلُهُ: فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ حَدِيثِ الرَّهْنِ وَقَوْلُهُ وَأَبْقَوْا هَذَا أَيْ حَدِيثَ التَّحْمِيلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَفْلَسَ إلَخْ) مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ إلَخْ) مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْمَتْنِ عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ فَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ لِمُسْتَحِقِّهَا وَيَرُدُّ الْمَغْصُوبَ إنْ بَقِيَ وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ لِمُسْتَحِقِّهِ أَوْ يَسْتَحِلُّ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ وَيُعْلِمُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُسْتَحِقٌّ أَوْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ سَلَّمَهَا إلَى قَاضٍ أَمِينٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهَا وَنَوَى الْغُرْمَ أَوْ يَتْرُكَهَا عِنْدَهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ تَصَدَّقَ بِهَا. اهـ.
وَقَالَ شَارِحُهُ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَصَالِحِ كُلِّهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي الْأَمِينِ صَرْفُ ذَلِكَ فِي الْمَصَالِحِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ؟ . اهـ.
فَمَا فِي الشَّارِحِ كَالنِّهَايَةِ الْمُوَافِقِ لِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ هُوَ الظَّاهِرُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ النَّائِبِ وَالْقَاضِي فَإِنْ تَصَرَّفَ الْأَوَّلُ بِنِيَّةِ الْغُرْمِ دُونَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَعْسَرَ غَرِمَ عَلَى الْأَدَاءِ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَالِ وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الَّذِي فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ فَعَلَهُ. اهـ.
ع ش وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِيهِ تَوَقُّفٌ فَلْيُرَاجَعْ. فَإِنَّ قِيَاسَهُ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا مَاتَ قَبْلَهُ) إلَى قَوْلِهِ وَيُرْجَى إلَخْ عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالرَّوْضِ مَعَ شَرْحِهِ فَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا طُولِبَ فِي الْآخِرَةِ إنْ عَصَى بِالِاسْتِدَانَةِ كَأَنْ اسْتَدَانَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَإِنْ اسْتَدَانَ لِحَاجَةٍ فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ فَهُوَ جَائِزٌ إنْ رَجَا الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ حِينَئِذٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَيُرْجَى إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ انْقَطَعَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهِ) وَلَيْسَ مِنْ التَّعَذُّرِ مَا لَوْ اغْتَابَ صَغِيرًا مُمَيِّزًا وَبَلَغَتْهُ فَلَا يَكْفِي الِاسْتِغْفَارُ لَهُ؛ لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَبِفَرْضِ مَوْتِ الْمُغْتَابِ يُمْكِنُ اسْتِحْلَالُ وَارِثِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمُغْتَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ. اهـ.
ع ش (قَوْلُهُ: اسْتَغْفَرَ لَهُ) أَيْ طَلَبَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ ع ش. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ إلَخْ) وَيَظْهَرُ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْلَالِهِ إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ وَهِيَ الْإِيذَاءُ
ــ
[حاشية ابن قاسم العبادي]
قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ مَنْ كَانَتْ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ التَّعْبِيرُ بِالْمَظْلِمَةِ ظَاهِرٌ فِي الْعَاصِي بِهَا فَلَا يَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَعْصِ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ فَلَا يُحْمَلُ مِنْ سَيِّئَاتِ الدَّائِنِ فَفِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَعْمِيمِ الْبُخَارِيِّ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْمِلُهُ إلَخْ) فِي إطْلَاقِ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّ مَا قَرَّرَهُ أَوَّلًا لَا يُفِيدُ نَفْيَ الْمُعَاقَبَةِ إلَّا عَلَى مَا لَمْ يَعْصِ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْضًا مَحْمُولٌ إلَخْ) بَلْ قَضِيَّةُ مَا قَرَّرَهُ إنْ صَحَّ أَنَّهَا قَدْ تُحْمَلُ لِتَعَاقُبٍ فَيُحْتَاجُ لِتَخْصِيصِ الْآيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ