[مض] قال الحاكم: ما رأيت في جملة من كتبت عنهم من أصحاب أبي حنيفة أحفظ للحديث وأهدى إلى رسومه وأفهم له منهم.
[ب] قال الحاكم أبو أحمد الحافظ: الحاكم الشهيد كتب الحديث على رسمنا لا على رسم المتفقِّهة، وكان يحفظ الفقهيات التي يُحتاج إليها، ويتكلم على الحديث، قلتُ لأبي أحمد: كان يبلغنا أن ذلك الكلام كلامك على كتبه؟ فقال: لا واللهِ إلا كلامه ونتيجة فهمه، وأما أنا فجمعتُ له حديث أبي حمزة السكري وإبراهيم بن ميمون الصائغ وجماعة من شيوخ المراوزة.
[ب] وذكر أبو عبد الله ابن الحاكم الشهيد قال: عهدتُ الحاكم وهو يصوم يوم الاثنين والخميس، ولا يدع صلاة الليل في السفر والحضر، ولا يدع التصنيف في السفر والحضر، وكان يقعد والسفط والكتب والمحبرة بين يديه، وهو وزير السلطان، فيؤذن لمن لا يجد له بدًّا من الإذن، ثم يشتغل بالتصنيف فيقوم الداخل، ولقد شكاه أبو العباس بن حمويه فقال: ندخلُ عليه ولا يكلمنا، ويأخذ القلم بيده ويدَعَنا ناحية!
[ب] ولقد حضرتُ عشية الجمعة مجلس الإملاء للحاكم أبي الفضل ودخل علي ابن أبي بكر بن المظفّر الأمير، فقام له قائمًا ولم يتحرك من مكانه وردَّه من باب الصفَّة وقال: انصرف أيها الأمير، فليس هذا يومك!
[ب] وسمعتُ أبا العباس المصري - وكان من الملازمين لبابه - يقول: دعا الحاكم يومًا بالبواب والمرتب وصاحب السرَّ، فقال لثلاثتهم: إن الشيخ الجليل يقول: قد تقدّمتُ إليكم غير مرة بأن لا تحجبوا عني بالغَدَوات والعشيَّات أحدًا من أهل العلم الرحَّالة المرقَّعات والأثواب الرثَّة، واحجبوا الفرسان وأصحاب الأموال، وأنتم - لأطماعكم الكاذبة - تأذنون للأغنياء وتحجبون عني الغرباء لرثاثتهم، فلئن عدتُم لذلك نكَّلت بكم.
[ب] وحكى ابن الحاكم الشهيد أنه لم يزل يدعو في صلاته وأعقابها بدعوات ثم يقول: "اللهم ارزقني الشهادة"، إلى أن سمع عشية الليلة التي قُتِلَ من غدها جَلَبَةً