إن الحمدَ للهِ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعدُ، فإنَّ أصدق الحديث كتابُ اللهِ، وأحسنَ الهَدْي هديُ محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشَرَّ الأمورِ مُحدثَاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكُلَّ ضلالةٍ في النار.
وبعد، "إن أحسن ما يجب أن يُعْتنى به، ويُلَمّ بجانبه، بعد الكتاب والسنة، معرفة الأخبار، وتقييد المناقب والآثار، ففيها تذكرة بتقلب الدهر بأبنائه، وإعلام بما طرأ في سالف الأزمان من عجائبه وأنبائه، وتنبيه على أهل العلم الذين يجب أن تُتَّبَع آثارهم، وتُدَوَّن مناقبهم وأخبارهم، ليكونوا كأنهم ماثلون بين عينيك مع الرجال، ومتصرفون ومخاطبون لك في كل حال، ومعروفون بما هم به، متصفون فيتلو سورهم من لم يعاين صورهم، ويشاهد محاسنهم من لم يعطه السن أن يعاينهم، فيعرف بذلك مراتبهم ومناصبهم، ويعلم المتصرف منهم في المنقول والمفهوم، والمتميّز في المحسوس والمرسوم، ويتحقق منهم من كَسَته الآداب حُليّها، وأرضعته الرياسة ثديها، فيجد في الطلب ليلحق بهم ويتمسك بسببهم"(١).
(١) نقله السخاوي في "الإعلان بالتوبيخ لمن ذَمَّ التاريخ" (ص ٤٩) عن أبي بكر محمد بن محمد بن علي بن خميس في مقدمة كتابه "تاريخ مالقة".