للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقد عهدتُ الأمير ابن الأمير العادل أبا علي المظفر ابن ناصر الدولة صائم النهار قائم الليل، ما أعلم أنه ترك قيام الليل، ولم يزل أكثر ميله في صباه - إلى أن بلغ - إلى الزهَّاد والعبَّاد المعروفين بالزهد، وأكثر انتمائه كان إلى أبي العباس عبيد الله بن محمد الزاهد، وسمعتُ أبا العباس غير مرة يقول لي: صدقة من قولي كل يوم على نية الأمير، أي على أن يكفيه الله مهماته، وإنما نكتب بعد وفاته: عبيد الله.

وقرأ القرآن على أبي الحسين محمد بن الحسين المقرئ واحد خراسان في وقته، وختم عليه غير مرة، وكنا نصلي به إذا حضرناه، ثم سألته أن لا يقدِّم أحدًا في الإمامة ويصلِّي بالناس، وكان يصلي بنا بنفسه، ويجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ويقنت في الركعة الثانية من صلاة الصبح بعد الركوع.

ولمّا سُئِل عقد المجلس للإملاء، أمر بأصوله المسموعة فحُمِلت إليَّ، وانتقيت منها مجالس، وكان يحضر الأشراف والرؤساء والقضاة وكافة أهل العلم من الفريقين والزهاد والمتصوفة وطبقات الناس، فيلبس البياض، ويقعد على الكرسي، ويحدِّث حتى يحيّر الناس في حسن أدائه، وعذوبة ألفاظه، وما رددت أنا ولا غيري عليه حرفًا قط.

ولقد سمعته غير مرة يقول: ما يخطئ بحضرته أحد من العلماء لا يعرف الأسانيد ولا يحفظها، فإن هذا سُلَّم إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، ميزان بين الحق والباطل، ولما نكب ما كان فيها إلا كما قال القائل:

إذا أراد الله أمرًا بامرئٍ … وكان ذا رأي وعقل وبصر

وحيلة يعملها في كل ما … يأتي به محتوم أسباب القدر

أغراه بالجهل وأعمى عينه … وسلَّه عن عقله سلَّ الشعر

حتى إذا أنفذ فيه حكمه … ردَّ إليه عقله ليعتبر

تحدَّث الناس بمقتل الأمير أبي علي غير مرة في سنة ست أو سبع وثمانين وثلاثمائة، واستقر ذلك في أفواه الناس، ولم يظهر خليفته إلى رجب من سنة ثمان وثمانين، فحُمِلت التوابيت الخمسة إلى قاين، وتواترت كتب الثقات أن تابوت يلمنكو الحاجب قدَّم للحجابة، ثم الأمير أبو علي، ثم ابنه أبو الحسين، ثم أميرك الطوسي، ثم رجل كان يخدمهم، ولما فتح تابوت الأمير أبي علي وجدوه ولم يتغير منه شيء، وعليه قميص من صوف أبيض، وقد أرسل شعره إلى عاتقيه والقيد على رجله.

<<  <   >  >>