للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورُخِّصَ له إتلافُ مالِ مسلمٍ بهما، وضُمِّنّ المُكْرِهُ لا قتله، ويقادُ المُكْرِهُ فقط، وصحَّ نكاحُهُ وطلاقُه وعتقُه، ورجعَ بقيمةِ العبد، ونصفِ المسمَّى أن لم يطأ

والفرقُ بين هذا وبين شربِ الخمرِ أنّ شربَ الخمرِ يحلُّ عند الضَّرورة، والكفرُ لا يحلُّ أبداً فيرخَّصُ إظهارُهُ مع قيامِ دليلِ الحرمة؛ لأنَّ حقَّه يفوتُ بالكليَّة، وحقُّ اللهِ تعالى لا يفوتُ بالكليَّة؛ لأنَّ التَّصديقَ بالقلبِ باق (١).

(ورُخِّصَ له إتلافُ مالِ مسلمٍ بهما): أي بالقتلِ والقطع، (وضُمِّنّ المُكْرِهُ) ـ بكسر الراء ـ إذ في الأفعالِ يصيرُ الفاعلُ آلةً للحامل، (لا قتله)، فإنَّ قتلَ المسلمِ لا يَحِلُّ بالضَّرورة، (ويقادُ المُكْرِهُ فقط): أي إن كان القتلُ عمداً فعند أبي حنيفة - رضي الله عنه - ومحمَّد - رضي الله عنه - القصاصُ على الحامل؛ لأنَّ الفاعلَ يصيرُ آلة له، وعند زُفَرَ - رضي الله عنه - على الفاعل؛ لأنَّه مباشر، ولا يحلُّ له القتل، وعند أبي يوسفَ - رضي الله عنه - لا يجبُ على أحدٍ للشُّبْهة، وعند الشَّافِعِيِّ - رضي الله عنه - يَجِبُ عليهما على الفاعلِ بالمباشرة، وعلى الحاملِ بالتَّسبيب، والتَّسبيبُ عنده كالمباشرة: كشهودِ القصاص (٢).

(وصحَّ نكاحُهُ وطلاقُه وعتقُه): أي إعتاقُه، فإنّ هذه العقودَ تصحُّ عندنا مع وجودِ الإكراه؛ قياساً على صحَّتِها مع الهزل، وعند الشَّافِعِيِّ - رضي الله عنه - لا تصح، (ورجعَ بقيمةِ العبد، ونصفِ المسمَّى أن لم يطأ): أي يَرْجِعُ المُكْرَهُ على مَن أكرهَهُ في صورة الإكراهِ بالإعتاقِ بقيمة العبد؛ لأنَّ الإعتاقَ من حيث أنَّه إتلافٌ يضافُ إلى الحامل؛ لأنَّ الإتلافَ فعل، فيمكنُ فيه جعلُ الفاعلِ آلةً للحامل، وإن لم يمكن ذلك في القول (٣).


(١) حاصله: إنّ الإيمانَ لا يفوتُ بهذا الإظهار حقيقة؛ لأنّ الركنَ الأصليّ فيه التصديق، وهو قائم حقيقة، والإقرارُ ركن زائد، وهو قائم تقديراً؛ لأنّ التكرار ليس بشرط، وفي الامتناع فوت نفسه حقيقة، فكان ممّا اجتمعَ فيه فوت حقّ العبد يقيناً، وفوت حقّ الله تعالى توهمّاً، فيسعه الميل إلى إحياء حقّه. ينظر: «العناية» (٨: ١٧٦).
(٢) أي إنّ الشاهدين لو شهدا على رجلٍ بالقتلِ العمد، فاقتصَّ المشهود عليه، ثمّ جاءَ المشهود به حيّاً يقتلُ الشاهدان عنده. ينظر: «الكفاية» (٨: ١٧٧).
(٣) أي فإنّ الإعتاقَ من حيث التكلُّم يقتصرُ على المعتِق، فإنّه لو انتقلَ إلى المكرِه من حيث التكلّم أيضاً كخشيةِ الإتلافِ لم يعتق العبد قطعاً. ينظر: «حاشية الجلبي» (ص ٥٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>