للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كلام إمامه أصَّل القواعد وشيَّدها، وفرَّع عليها الفروع الكثيرة المتّفقة مع أصول إمامه، وكان يتعامل مع كلام إمامه في الاجتهاد والاستنباط كما يتعامل المجتهد مع كلام الشارع (١)، واهتموا كثيراً بتحرير كلامهم في كلِّ مسألة، وألَّفوا المختصرات والمطولات في ذلك.

وهذا التدرج الفقهي كان نتيجة تغيُّر الحياة الاجتماعية التي يعيشها المسلمون، فقد تطوَّرت واتّسعت عمّا كانت عليه في حياة الصحابة - رضي الله عنهم - ودخلت في الإسلام أممٌ جديدةٌ ذات حضارات ومدنيات مختلفة، وذمم الناس ساءت، والأفكار فسدت عمّا كانت عليه في عصر الصحابة - رضي الله عنهم -.

فالصحابة منهم مَن كان مجتهداً ومنهم مَن كان مقلّداً، والمقلّد فيهم يعملُ بالتقليد المطلق من غير التزام مذهب معيّن، وكان التقليدُ الشخصي نادراً فيهم، لكن لمّا تغيّر الزمان على ما ذكر اختار العلماءُ لغير المجتهدين أن يلتزموا مذهب إمام معيّن (٢)، لا لأنه كان حكماً شرعياً، بل لكف الناس عن اتباع الهوى، فإن الرجل العاميّ إذا حصلت له الحرية في أن ينتقي من أقوال الفقهاء ما يوافق أهواءه صار الدين لعبةً في أيدي المتطفلين، تتلاعب به أهواؤهم (٣)، وهذا مما لا يبيحه أحد، فكان حكم التقليد الشخصي سداً للذريعة لا تشريعاً لما لم يثبت من الصحابة والتابعين، قال شيخ الهند: التقليد الشخصي ليس بحكم شرعي بل هو فتوى انتظامي (٤).


(١) قال الخادمي في رسالته في «مسنونية السواك» (ص ٢٣٦ - ٢٣٧): لا شك أن حجتنا على الأحكام أقوال فقهائنا إذ الاحتجاج بالنصوص هو مذهب الاجتهاد.
(٢) قال ابن رجب في «الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة» (ص ٣٤): علَّة منع تقليد غير الأئمة الأربعة أن مذاهب غير هؤلاء لم تشتهر ولم تنضبط، فربما نسب إليهم ما لم يقولوه، أو فهم عنهم ما لم يريدوه، وليس لمذاهبهم مَن يذبّ عنها وينبّه على ما يقع من الخلل فيها بخلاف هذه المذاهب المشهورة.
(٣) قال الدهلوي في «الانصاف» (ص ٩٧): هذه المذاهب الأربعة المدونة قد اجتمعت الأمة أو من يعتد به منها على جواز تقليدها إلى يومنا هذا، وفي ذلك من المصالح ما لا يخفى ولا سيما في هذه الأيام التي قصرت فيها الهمم وأشرِبَت النفوس الهوى، وأعجب كل ذي رأي برأيه.
(٤) ينظر: «أصول الإفتاء» (ص ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>