للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن شهدوا عمياناً، أو محدودين بقذفٍ أو ثلاثة، أو أحدُهم محدود، أو عبدٌ، أو وُجِدَ كذلك بعد الحدّ حدوا، وأرشُ جرحِ جلدِهِ هَدْر، وديةُ رجمِهِ في بيتِ المال

وإن كانوا شهوداً على شهودٍ (١) لم يحدّ؛ لأنَّ في شهادتهم زيادةَ شبهة؛ لأنَّ الكلامَ إذا تداولَتْهُ الألسنةُ يتطرَّق اليه زيادةٌ ونقصان، ثُمَّ إن جاءَ الأصولُ فشهدوا على ذلك الزِّنا بعينِه بعد شهادةِ الفروع، لم يحدَّ أيضاً؛ لأنَّ شهادتَهم قد رُدَّتْ من وجهٍ بردِّ فروعِهم، والشَّهادةُ إذا ردَّتْ مرَّةً في حادثةٍ لا تقبلُ فيها أبداً، وهذا ضعيفٌ (٢)؛ لأنَّ ردَّ شهادتِهم لمعنىً يختصُ بها لا يسري إلى الأصول؛ لعدم ذلك المعنى في شهادتِهم.

ويمكن أن يقال: إنِّما تردُّ شهادةُ الأصولِ لأنَّهم سعوا إلى إثباتِ الزِّنا بأمرٍ غير مشروع، فلا تكون شهادتُهم حسبةً لله تعالى، بل سعياً إلى إشاعةِ الفاحشةِ لعداوةٍ أو نحوِها، فتردُّ شهادتُهم؛ لهذه التَّهمة.

(وإن شهدوا عمياناً، أو محدودين بقذفٍ أو ثلاثة، أو أحدُهم محدود، أو عبدٌ، أو وُجِدَ كذلك بعد الحدّ (٣) حدوا)؛ لعدم أهليَّةِ الشَّهادة، أو عدمِ النِّصاب، فيجبُ الحدُّ لقولِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (٤) الآية.

(وأرشُ (٥) جرحِ جلدِهِ هَدْر (٦)، وديةُ رجمِهِ في بيتِ المال): أي شهدَ الشُّهودُ بالزِّنا، والزَّاني غيرُ محصن فجلدَ، فجرَحَهُ الجلدُ، ثُمَّ ظهرَ أحدُ الشُّهودِ عبداً، أو محدوداً


(١) أي الشهود الشاهدون بحضرة الحاكم شهوداً على شهود الزنا بأن يقول كل منهم: أشهد أن فلاناً أشهدني على شهادته هكذا، وقال لي: اشهد على شهادتي بذلك، وهذا عند تعذُّر حضور الأصول بموت أو مرض أو سفر، فإنه لا تقبلُ الشهادة على الشهادة عند قدرة الأصول على أداء الشهادة. ينظر: «العمدة» (١: ٢٩٤).
(٢) لم يرتض ابن كمال باشا في «الايضاح» (ق ٧٨/أ)، واللكنوي في «عمدة الرعاية» (٢: ٢٩٥) تضعيف الشارح لما ذكره الفقهاء من الحجّة وما احتجّ به، وسكت عن ذلك ملا خسرو في «الدرر» (٢: ٦٨)، ويظهر أن لكلامه وجه حجة.
(٣) أي إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فضرب بشهادتهم، ثم وجد أحدُهم عبداً، أو محدوداً في قذف … الخ أقيم عليهم الحدّ؛ لكونهم قذفة لعدم تمام نصاب الشهادة.
(٤) من سورة النور، الآية (٤).
(٥) أَرْشُ الجراحة: ديتُها، والجمع أروش. ينظر: «المصباح المنير» (ص ١٢).
(٦) هَدْرٌ دمه: أي باطل. ينظر: «طلبة الطلبة» (ص ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>