للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيٌّ رَجَعَ من الأربعةِ بعد رَجْمٍ حدّ، وغَرِمَ رُبْعَ الدِّية

في قذف، فأرش الجلدِ هَدْرٌ عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -.

وقالا: في بيتِ المال؛ لأنَّ فعلَ الجلاَّدِ ينتقلُ إلى القاضي، وهو عاملٌ للمسلمين، فالغرامةُ في مالِ المسلمين.

وله: إنَّ الفعلَ الجارحَ لا ينتقلُ إلى القاضي؛ لأنَّه لم يأمرْ بالجرح، فيقتصرُ على الجلاَّد، ثُمَّ هو لا يضمن؛ لئلا يمتنعَ النَّاسُ عن الإقامةِ مخافةً للغرامة.

وإن شهدوا والزَّاني محصنٌ فَرُجِم، ثُمَّ ظَهَرَ أحدُهم عبداً أو نحوَه فديَةُ الرَّجمِ في بيتِ المال.

(وأيٌّ رَجَعَ من الأربعةِ بعد رَجْمٍ حدّ): أي حدَّ الرَّاجع فقط حدَّ القذف.

وعند زُفر - رضي الله عنه - لا يحدّ (١)؛ لأنَّه إن كان قاذفَ حيٍّ فقد سقطَ بالموت (٢)، وإن قاذفَ ميْت، فهو مرجومٌ بحكمِ القاضي (٣)، فلا يجبُ الحدّ.

قلنا: هو قاذفُ ميْت؛ لأنَّ شهادتَهُ بالرُّجوع انقلبت قذفاً، فصارَ قاذفاً بعد الموت، ولم يبقَ مرجوماً بحكمِ القاضي؛ لانفساخِ الحكمِ بانفساخِ الحجَّة.

(وغَرِمَ رُبْعَ الدِّية): هذا عندنا، وعند الشَّافِعيِّ (٤) - رضي الله عنه - يقتصُّ بناءً على أصله في شهودِ القصاص، كما قال في الدِّيات.


(١) حاصل الاستدلال والجواب: أن زفر - رضي الله عنه - قال: لا يجب الحدّ على الراجع؛ ولأنه لو وجب، إما أن يجب بالقذف قبل الرجم ولا سبيل إليه؛ لأن من قذف حيَّاً، ثم مات المقذوف لا يحدّ القاذف لكونه لا يورث، أو بالقذف بعد الرجم فلا سبيل إليه أيضاً؛ لأن المرجوم لا يحد قاذفه لكونه مرجوماً بحكم الحاكم فيكون شبهة فصار كما لو قذفه غيره، ولنا أن كلامه ليس بقذف للحال؛ ولأنه انعقد شهادة ووقع الحكم به بهذا الوصف لكنه عند الرجوع ينقلب قذفاً؛ لأنه فسخ لشهادته به بعد الوجود فينفسخ ما ينبني عليه وهو القضاء فيكون قذفاً للحال، وهو محض في زعمه فيحد بخلاف ما إذا قذفه غيره؛ ولأنه مرجوم بحكم الحاكم ولم يوجد فسخ الشهادة في حقه؛ لأن زعم الراجع يعتبر في حقه لا في حق غيره. ينظر: «التبيين» ٣: ١٩٢).
(٢) لأن حدّ القذف لا يورث؛ لأن الغالب فيه حقّ الله تعالى فيورث شبهة. ينظر: «الفتح» (٥: ٢٩٣).
(٣) وذلك إن لم يسقط الإحصان، فلا أقلّ من إيراث الشبهة والحدّ يسقط بها. ينظر: «العناية» (٥: ٢٩٣).
(٤) ينظر: «الأم» (٨: ٣٦٨)، و «مغني المحتاج» (٤: ٤٥)، وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>