للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن سرقا وغاب أحدُهما، فشهدا على سرقتِهما قطعَ الآخر. وقطع بخصومةِ ذي يدٍ حافظةٍ كمودوع، وغاصب، وصاحب ربا، ومستعير، ومستأجر، ومضارب، وقابضٍ على سومِ الشِّراء، ومُرْتَهِنٍ، وبخصومةِ المالك مَن سرق منهم، لا مَن سرقَ من سارقٍ قُطِع، وقُطِعَ عبدٌ أقرَّ بسرقةٍ ورُدَّت إلى مالكِها

السَّرقة: أي المسروق، فلا قطع، وإن أقرَّ السَّارقُ بالسَّرقة؛ لأنَّه لمَّا كان الدَّعوى شرطاً لا بُدَّ من مطالبةِ المدَّعي.

(فإن سرقا وغاب أحدُهما، فشهدا على سرقتِهما قطعَ الآخر.

وقطع بخصومةِ ذي يدٍ حافظةٍ كمودوع، وغاصب، وصاحب ربا): أي باعَ ديناراً بدينارين وقبضهما فسرقا من يده، (ومستعير، ومستأجر، ومضارب، وقابضٍ على سومِ الشِّراء (١)، ومُرْتَهِنٍ، وبخصومةِ المالك مَن سرق منهم).

اعلم أنّ الدَّعوى شرطٌ لظهورِ السَّرقة، وقطعِ اليد، وإن كان من حقوقِ اللهِ تعالى؛ لأنَّه لا شكَّ أنَّ المسروقَ منه أعرف بحقيقةِ الحالِ من الشُّهود، وكذا من السَّارق المقرِّ به، إذ يمكنُ أن يكونَ ملكاً للسَّارق بطريقِ الإرث، أو ملكاً لذي رحمٍ محرَّم، وهو غيرُ عالمٍ به، ففي تركِ المسروق منه الدَّعوى، وكذا في غيبته مظنَّةَ عدمِ وجوبِ القطع.

أمَّا غيبةُ المزنيَّة، وإن كان فيها توَّهمُ أنَّها لو كانت حاضرةً ادَّعت أمراً يسقطُ الحدّ، فلا اعتبارَ به؛ لأنَّ المزنيَّةَ راضيةٌ بالزِّنى، فتكون متَّهمةً في دعوى ما يسقطُ الحدّ، فهذا هو الفرقِ الذي وعدتُهُ في «باب شهادة الزِّنا» (٢).

ثُمَّ عطفَ على الضَّمير المستكنِّ (٣) في قولِه: وقطع؛ قولَهُ: (لا مَن سرقَ من سارقٍ قُطِع): أي لا يقطعُ بطلبِ المالك والسَّارق لو سرقَ من سارقٍ بعد القطعِ لما سيأتي من سقوطِ عصمتِه (٤).

(وقُطِعَ عبدٌ أقرَّ بسرقةٍ ورُدَّت إلى مالكِها): هذا عند أبي حنيفة - رضي الله عنه - من غيرِ تفصيل.


(١) أي مَن قبض المال على إرادة الشراء ولم يشتره، أو بعقد فاسد. ينظر: «العمدة» (٢: ٣٣٠)، و «مجمع الأنهر» (١: ٦٢٤).
(٢) ص ٢٠٦).
(٣) أي الضمير المستتر.
(٤) ص ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>