للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

........ ........................ .................................................................

وعند زُفر رحمه الله لا يقطعُ من غيرِ تفصيل؛ لأنَّ إقرارَ العبدِ بالحدودِ والقصاصِ لا يصحُّ عنده وإن كان مأذوناً، فإن الإذنَ لم يتناولْهما، أمَّا في ردِّ المال، فإن كان مأذوناً يصحّ، فيردُّ المال، وإن كان محجوراً لا.

وأمَّا عندهما فإن كان مأذوناً يقطع ويردُّ المال.

وإن كان محجوراً، فالمسروقُ إن كان هالكاً يصحُّ إقراره؛ لأنَّ الواجبَ ليس إلاَّ القطع، وإقرارُهُ به صحيح.

وإن كان قائماً، فعند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه - يقطع ويردُّ المسروق.

وعند أبي يوسف - رضي الله عنه - يقطع ولا يردُّ المسروق.

وعند محمَّدٍ - رضي الله عنه - لا يقطع ولا يردّ.

فنقول لزفر - رضي الله عنه - إن إقرارَهُ بما يوجبُ تلفَ نفسِه أو أعضائِه وإن كان يتضرَّرُ به المولى، فهو غيرُ متَّهمٍ فيه؛ لأنَّ ضرَرَهُ فوقَ ضررِ المولى، وإن تخالجَ في صدركِ أن خبثَ نفوسِ بعض المماليكِ يصلُ إلى غايةِ يؤثرونَ إهلاك نفوسِهم ليتضرَّر به مواليهم، فذلك شيء نادرٌ لا يصلحُ لأن يبنى عليه الأحكام.

ثُمَّ بعد ذلك الأصل عند محمَّد - رضي الله عنه - ردُّ العين والقطعُ تبعٌ له لشرطية الدَّعوى، وثبوتِ (١) المال بلا قطعٍ من غيرِ عكس، وإقرارِ العبدِ المحجور بالمالِ لا يصحُّ فلا يثبتُ تبعَه، وهو القطع.

قلنا: القطعُ ليس تبعاً لردِّ العين؛ لأنَّ ردَّ المالِ ضمانٌ المحلّ، والقطعُ جزاءُ الفعل.

فأبو يوسف - رضي الله عنه - لم يجعلْ أحدَهما تبعاً للأخر، فيعتبرُ إقراره في حقِّ نفسِه، وهو القطع لا في حقِّ المولى، وهو ردُّ المال.

وأبو حنيفةَ - رضي الله عنه - جعلَ الفعلَ أصلاً (٢)؛ لأنَّ المحالَ كالشروط.


(١) عطف على شرطية يعني قد يثبت المال بدون القطع كما اذا شهد رجل وامرأتان بالسرقة أو أقر بها، ثم رجع فإنه يضمن المال ولا يقطع كذا في «العناية» (٥: ٤١١).
(٢) بدليل أنه تسقط عصمة المال باعتبار القطع لما أن الضمان والقطع لا يجتمعان عندنا، فسقوط العصمة والتقوّم في حقّ السارق يدل على أن المال تبع، فإنه لو كان أصلاً لما تغيَّرَ حالُه من حالِ الابتداء الذي هو التقوّم على غير التقوم، وبدليل أنه يستوفى بالقطع بعد استهلاك المال. ينظر: «عمدة الرعاية» (٢: ٣٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>