للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبتسليم وكيلِ الكفيلِ ورسولِهِ إليه، ولو ماتَ المكفولُ له فللوصيِّ والوارثِ مطالبتُهُ به، فإن كفلَ بنفسِهِ على أنَّه إن لم يواف به غداً، فهو ضامنٌ لِما عليه، ولم يسلمْهُ غداً لزمَهُ ما عليه، ولم يبرأْ من كفالتِهِ بالنَّفسِ، وإن ماتَ المكفولُ عنه ضَمِنَ المال،

(وبتسليم وكيلِ الكفيلِ ورسولِهِ إليه)، إليه: مُتعلِّق بالتَّسليم، والضَّميرُ يرجعُ إلى المكفولِ له.

(ولو ماتَ المكفولُ له فللوصيِّ والوارثِ مطالبتُهُ به): أي مطالبةُ الكفيلِ بالمكفولِ به.

(فإن كفلَ بنفسِهِ على أنَّه إن لم يواف به غداً): أي أن يأتِي به غداً، (فهو ضامنٌ لِما عليه، ولم يسلمْهُ غداً لزمَهُ ما عليه): خلافاً للشَّافِعِيِّ - رضي الله عنه -، له أنَّه إيجابُ المالِ بالشَّرط، فلا يجوزُ كالبيعِ. قلنا: إنَّه يشبه البيعَ ويشبه النَّذرَ، فإن علَّقَ بشرطٍ غيرَ ملائمٍ لا يصحُّ، وبملائمٍ يصحُّ عملاً بالشَّبَهين (١)، (ولم يبرأْ من كفالتِهِ بالنَّفسِ) لعدمِ سببِ البراءة، بل إنِّما يبرأُ إذا أدَّى المالَ؛ لأنَّه لم يبقَ للطالبِ على المكفولِ عنه شيءٌ، فلا فائدةَ في الكفالةِ بالنَّفس. (وإن ماتَ المكفولُ (٢) عنه ضَمِنَ المال): لوجودِ الشَّرط، وهو عدم الموافاة (٣).


(١) حاصله: حاصلُهُ أنَّ الكفالةَ بالمالِ يشبهُ البيعَ انتهاءً، باعتبارِ رجوعِ الكفيلِ على الأصيلِ بما أدّى عنه إذا كان بأمرِه، فصارَ مبادلةُ المالِ بالمال، ويشبهُ النَّذرَ ابتداءً باعتبارِ الالتزام، إذ لا يقابلُهُ شيء، فقلنا: إن كان تعليقُ الكفالةِ بشرطٍ غير ملائم؛ كهبوبِ الريحِ ونزولِ المطرِ ونحوها، لا تصحُّ كالبيع، وإن كان بشرطٍ ملائمٍ متعارف؛ مثل: عدم الموافاةِ في وقتِ كذا، تصحُّ كالنذر، والتعليقُ بعدمِ الموافاةِ متعارف، فإنَّ النّاس تعارفوا تعليقَ الكفالةِ بالمال؛ لعدمِ الموافاةِ بالنفس، ورغبتهم في ذلك أكثرُ من رغبتِهم في مجرَّدِ الكفالةِ بالنفس، ولا نسلِّم أنَّ هذا تعليقُ سببِ وجوبِ المالِ بأمرٍ متردد، وقد يكونُ وقد لا يكون، حتى لا يجوزَ كالبيع، بل إنّما هو تعليقُ وجوبِ المطالبة. ينظر: «زبدة النهاية» (٣: ٩٣).
(٢) اللام للعهد، والمعهودُ هو المكفولُ بنفسِه الذي شرطَ كفيلُهُ أنّه إن لم يوافِ به غداً فعليه ما عليه من المال. ينظر: «كمال الدراية» (ق ٤٩٨).
(٣) وإن أبطلَ الكفالة، فإنّما هو في حقِّ تسليمِهِ إلى الطالب، لا في حقِّ المال. ينظر: «حاشية الطحطاوي» (٣: ١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>