للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَن ادَّعى على رجل مالاً بيَّنَه أو لا، فكفلَ بنفسِهِ آخرُ على أنَّه إن لم يوافِ به غداً، فعليه المالُ صحَّت، ويجبُ عند الشرطِ، ولا جبرَ على إعطاء الكفيلِ في حدٍّ وقصاصٍ

(ومَن ادَّعى على رجل مالاً بيَّنَه أو لا، فكفلَ بنفسِهِ آخرُ على أنَّه إن لم يوافِ به غداً، فعليه المالُ صحَّت، ويجبُ عند الشرطِ): صورةُ المسألةِ ادَّعى رجلٌ على آخر مئة دينارٍ، فكفلَ بنفسِهِ رجلٌ على أنَّه إن لم يوافِ به غداً، فعليه المئة.

فقولُهُ: مالاً: أي مالاً مقدَّراً.

وقولُهُ: بيَّنَهُ أوَّلاً: أي بيَّنَ صفتَهُ على وجهٍ تصحُّ الدَّعوى، أو لم يُبَيِّنُ.

وفي المسألةِ خلافُ محمّدٍ - رضي الله عنه -، فقيل: عدمُ الجوازِ عنده مبنيٌّ على أنَّه قال: فعليه المئة، ولم يقلْ المئة التي على المدَّعى عليه، فعلى هذا إن بيَّنَ المدِّعي المئة لا يكونُ كفالة عنده صحيحاً أيضاً، كما إذا لم يُبيِّنْ إلاَّ أن يقول: فعليه المئة التي يدَّعيها.

وقيل: إنَّه مبنيُّ على أنَّه لمَّا لم يُبيِّن لم يصحَّ الدَّعوى، فلم يستوجبْ إحضارَه إلى مجلسِ القاضي، فلم يصحَّ الكفالةُ بالنفسِ، ولا يجوز الكفالةُ بالمال، فعلى هذا إن بيَّن يكون الكفالةُ صحيحةً (١)

ولهما: أنَّه قال: فعليه المئة، أو عليه المال، فيرادُ به المعهودَ، فإن بيَّنَ المدَّعي فظاهرٌ، وإن لم يبيِّن فبعد ذلك، إذا بيَّنَ التحقَ البيانُ بأصلِ الدَّعوى، فتبيَّنَ صحَّةَ الكفالةِ بالنَّفسِ، فيترتبُ عليها الكفالةُ بالمال.

(ولا جبرَ على إعطاء الكفيلِ في حدٍّ وقصاصٍ)، هذا عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -،


(١) تقريرُهُ أنَّ لمحمَّدٍ - رضي الله عنه - في هذه المسألة وجهين:
أحدهما: ما قاله العلامةُ أبو منصورٍ الماتريديّ - رضي الله عنه - وهو أنَّ الكفيلَ علَّقَ مالاً مطلقاً بأمرٍ متردّدٍ قد يكون وقد لا يكون، حيث لم يقل: عليَّ المئةُ التي على المدَّعى عليه، ولم ينسبْهُ إلى ما على المكفولِ عنه، فكانت هذه رشوة التزمَها الكفيل له عند عدمِ الموافاةِ به، فهذا يوجبُ أن لا يصحّ، وإن بيَّنها المدَّعي؛ لأنَّ عدمَ النسبةِ إليه هو الذي أوجب البطلان.

والثاني: ما قالَه الشيخ أبو الحسنِ الكَرْخيُّ - رضي الله عنه -: وهو أنَّ المدَّعي لمَّا لم يبيِّن مالاً مقدَّراً لم يستوجبْ إحضارُهُ إلى مجلسِ القاضي؛ لفسادِ الدعوى، فلا تصحُّ الكفالةُ بالنفس؛ لعدمِ صحَّةِ الدعوى، ولا تصحُّ الكفالةُ بالمالِ أيضاً؛ لأنّها مبنيّة على الكفالةِ بالنفس، فإذا بطلَ الأصلُ بطلَ الفرع، وهذا الوجهُ يوجبُ أن تصحَّ الكفالةُ إذا بيَّنَ المالَ عند الدّعوى. ينظر: «منح الغفار» (ق ٢: ٨٠/أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>