للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو سمحَتْ نفسُهُ صحَّ، ولا حبسَ فيهما حتَّى يشهدَ مستوران أو عدلٍ، وصحَّ الرَّهنُ والكفالة بالخراجِ، وأُخِذَ الكفيلُ بالنَّفسِ، ثُمَّ آخر وهما كفيلانِ، وإن جُهِلَ المكفولُ به إذا صحَّ دينُهُ

وعندهما يُجْبَرُ (١) في حدِّ القذفِ؛ لأنَّ فيه حقُّ العبدِ، وفي القصاصِ؛ لأنَّه خالصُ حقِّ العبدِ، ولأبي حنيفةَ - رضي الله عنه - أن مبناهما على الدرء، فلا يجبُ فيهما الاستيثاق، (ولو سمحَتْ نفسُهُ صحَّ): أي لو سمحَتْ نفسُ مَن عليه الحدُّ، أو القصاصُ فأعطى كفيلاً بالنَّفسِ صحّ.

(ولا حبسَ فيهما حتَّى يشهدَ مستوران أو عدلٍ): لما ذُكِرَ أنَّه لا جبرَ على الكفالةِ عند أبي حنيفةَ - رضي الله عنه -. ذَكَرَ ماذا يصنعُ صاحبُ الحقّ، فعنده يلازمُهُ إلى وقتِ قيامِ القاضي عن المجلس، فإن أحضرَ البيَّنةَ فيها، وإن أقامَ مستورينِ أو شاهداً عدلاً لا يكفلُ عند أبي حنيفة - رضي الله عنه -، بل يحبسُهُ للتُّهمةِ حتَّى يتبيَّنَ الحقُّ، وإن لم يحضرْ شيئاً خلَّى سبيلَه.

(وصحَّ الرَّهنُ والكفالة بالخراجِ) (٢)؛ لأنَّه دينٌ مطالبٌ بخلافِ الزّكاةِ؛ لأنَّها مجرَّدُ فعلٍ، وإنِّما أوردَ هذه المسألةَ هاهنا، وإن كان الحقُّ أن تُذْكَرَ في الكفالةِ بالمال؛ لأنَّه في ذِكْرِ الكفالةِ بالنَّفسِ في الحدودِ والقصاصِ، وللخراجِ مناسبةٌ بالحدودِ لِمَا عُرِفَ في أصولِ الفقه: أن فيه معنى العقوبة (٣)؛ فلهذه المناسبةِ أوردَها هاهنا لِيُعْلَمُ أن حكمَهُ حُكْمُ الأموالِ حتَّى يُجْبَرَ فيه على الكفالةِ بالنَّفسِ بناء على صحَّةِ الكفالةِ فيه.

(وأُخِذَ الكفيلُ بالنَّفسِ، ثُمَّ آخر وهما كفيلانِ): أي ليس أَخْذُ الكفيلِ الثَّاني تركاً للأَوَّلِ.

(والكفالةُ بالمالِ تصحُّ:

وإن جُهِلَ المكفولُ به إذا صحَّ دينُهُ): الدَّينُ الصحيحُ دينٌ لا يسقطُ إلا


(١) أي يجبر المدَّعى عليه على إعطاءِ الكفيل، وليس تفسيرُ الجبرِ هاهنا الحبس، لكن يأمرُهُ بالملازمة، وليس تفسيرُ الملازمةِ المنعُ من الذَّهاب؛ لأنّه حبس، لكن يذهبُ الطالبُ مع المطلوب، فيدورُ معه أينما دار، كيلا يتغيّب، وإذا انتهى إلى بابِ دارِهِ وأرادَ الدخولَ يستأذنُهُ الطالبُ في الدخول، فإن أذنَ له يدخلُ معه، ويسكنُ حيث سكن، وإن لم يأذن له يحبسُهُ في بابِ داره ويمنعُهُ من الدخول. ينظر: «الكفاية» (٦: ٢٩٥).
(٢) أي الموظف؛ لأنه دين صحيح ممكن الاستفياء. ينظر: «الدر المنتقى» (٢: ١٣٠).
(٣) لأن سببه الاشتغال بالزراعة، وهي الذُّلّ في الشريعة، وكل واحد منهما شُرِعَ مؤنةً لحفظِ الأرضِ وإنزالِها؛ ولذلك لا يبتدأُ على المسلم وجازَ البقاءُ عليه؛ لأنَّها لما تردَّد لا يجب بالشَّك ولم يبطل به. ينظر: «أصول البزدوي» (٤: ١٣٩)، «التوضيح» (٢: ٣٠٤)، وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>