للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

...................................................................................................................

ولا أعرفكَ، ثُمَّ أقامَ بيِّنةً على القضاء أو الإبراء، لا تقبلُ لتعذُّرِ التَّوفيق؛ لأنَّهُ لا يكونُ بين اثنينِ أخذٌ وإعطاء، ومعاملةٌ وإبراءٌ بدون المعرفة، وذَكَرَ القُدُورِيُّ - رضي الله عنه -: أنَّه تُقْبَلُ أيضاً؛ لأنَّ المحتجبَ، أو المخدرةَ قد يأمرُ بعضَ وكلائِه، بإرضائِهِ، ولا يَعْرِفُه، ثُمَّ يَعْرِفُهُ بعد ذلك، فأمكنَ التَّوفيق.

واعلم أن إمكانَ التَّوفيقِ هل يكفي في دَفْعِ التَّناقُض، أو لا بُدَّ من أن يُصَرِّحَ بالتَّوفيق، اختلفَ فيه المشايخُ - رضي الله عنه -:

وَجْهُ الأَوَّل: أنَّ مع إمكانِ التَّوفيقِ لا يتحقَّقُ التَّناقضُ، فيحملُ عليه صيانةً لدعواهُ عن البطلان.

وَجْهُ الثَّانِي: أنَّه لا بُدَّ للدَّعوى من الصِّحَّةِ يقيناً، فإمكانُ الصِّحَّةِ لا يُبْطِلُ حقَّ المدَّعى عليه.

إذا عَرَفْتَ هذا، فأقول: في كلِّ صورةٍ يَقَعُ الشَّكُّ في صحَّةِ الدَّعوى: لا نقولُ إنّ إمكانَ الصِّحَّةِ كافٍ، كما إذا ادَّعى الهبةَ فَسُئِلَ بينةً، فلم يقدرْ، فادَّعى الشِّراء، فأقامَ بيِّنةً على الشِّراءِ من غيرِ أن يُبَيِّنَ أن الشِّراءَ قبل وقتِ الهبة، أو بعده لا تقبل؛ لأنَّه يُحْتَملُ أن يكونَ الشِّراءُ قبل وقتِ الهبة، وعلى هذا التَّقديرِ لا يَصِحُّ دعوى الشِّراء على ما مرّ، ويُحْتَمَلُ أن يكونَ الشِّراءُ بعد وقتِ الهبة، وعلى هذا التقدير يصحُّ دعوى الشِّراء كما مرّ.

فإذا وَقَعَ الشَّكُّ في صحَّةِ الدَّعوى لا نصحِّحُهُ بالشَّكّ؛ لأنَّ غايةَ ما في البابِ أن شراءهُ إن (١) كان متحقِّقاً قبلَ وقتِ الهبة، فيكونُ معنى دعوى الهبة: إنِّي كنتُ اشتريتُها منه، لكن ارتفعَ ذلك العقد، ثُمَّ صارَ ملكاً له، ثُمَّ وَهَبَ منِّي فلا بُدَّ من إقامةِ البيِّنةِ على الهبة، فإذا لم يكن له بيِّنةٌ على الهبة، لا يصحُّ دعواهُ، ولا يَبْطُلُ حقُّ المدَّعى عليه بالشَّكّ.

وفي كلِّ صورةٍ لا يكونُ الشَّكُّ في صحَّةِ دعواه، حتَّى يلزمَ إبطالُ حقِّ المُدَّعي عليه بالشَّكّ. فنقول: إمكانُ التَّوفيقُ كافٍ كما إذا أقامَ البيِّنةَ على القضاءِ أو الإبراءِ بعد إنكارِهِ المدَّعى به، وإقامة المدَّعي البيِّنةَ عليه، أو أقامَ المدَّعي البيِّنةَ على الشِّراءِ بعد وقتِ الهبةِ تقبل، فاحفظ هذا الضابط، فإنَّه كثيرُ النفعِ.


(١) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>