وقال آخر:
كأني بِنفسِي وهي في السَّكراتِ ... تُعالجُ أن ترقَي إلى اللَّهواتِ
وَقد زُمَّ رَحْلي واسْتقلَّتْ رَكائبِي ... وقد آذَنَتْني بالرحيلِ حُداتِي
إلى مَنْزل فيه عذابٌ ورحمُةٌ ... وكمْ فيه من زجرٍ لنَا وعظاتِ
ومن أَعينٍ سالتْ على وَجناتِهَا ... ومن أوجهٍ في التُّربِ مُنعفراتِ
ومن واردٍ فيه على ما يَسرُّهُ ... ومن واردٍ فيه على الحَسراتِ
ومن عاثرٍ ما أن يقالَ له لَعَا ... على مَا عهدنا قبل في العَثراتِ
ومن ملكٍ كان السُّرورُ مِهادُهُ ... مع الآنَسِاتِ الخرَّدِ الخَفراتِ
غدَا لا يَذودُ الدُّودُ عن حُرِ وجهِهِ ... وكانَ يَذُوْدُ الأسدَ في الاجَماتِ
وعُوَّضَ أُنسًا من ظِباءِ كِناسِهِ ... وَأرامهِ بالرُّقشِ والحَشراتِ
وصار بِبطنِ الأرضِ يَلتحفُ الثَّرى ... وكان يَجرُّ الوشي والحَبراتِ
ولم تُغنهِ أنصارهُ وجنودهُ ... ولم تَحمهِ بِالبيضِ والأسَلاتِ
ومما شَجانِي والشُجونُ كثيرة ... ذُنوبٌ عِظامٌ أسبلتْ عَبراتِي
وأقَلقَنِي أنِّي أموتُ مُفرطًا ... على أَنِّني خَلَّفتُ بعد لَذاتِ
وأَغْفَلتُ أمرِي بعدهم مُتثبطًا ... فيا عجبًا مني ومِن غَفلاتِي
إلى الله أشكُو جهلَ نفسِي فإنَّها ... تميلُ إلى الرَّاحاتِ والشَّهواتِ
وَيا رُبَّ خِلٍّ كنتَ ذَا صلةٍ لهُ ... يَرى أن دَفنِي من أَجلِّ صَلاتِي
وكنتُ لهُ أُنسًا وشمسًا مُنيرةً ... فأفردنِي في وَحشةِ الظُّلماتِ
سأضربُ فُسطادِي على عَسكرِ البِلَى ... وأُركزُ فيه للنُّزلِ قَناتِي
واركبُ ظهرًا لا يئوبُ بركبٍ ... ولا يُمتطَى إلا إلى الهَلكاتِ
وليس يَرى إلا بِساحة ظاعنٍ ...