إلى مَصرعِ الفَرحاتِ والنَّزحاتِ
يسيرُ أدنَى النَّاسِ سيًرا كسيرهِ ... بأرفعِ مَنْعِي من السَّرواتِ
فطورًا تراهُ يَحْمِلُ الشُمَّ والرُّبَا ... وطورًا تراهُ يَحملُ الحَصياتِ
ورُبَّ حَصاةٍ قدرُهَا فوقَ يذبلٍ ... كمقبُولِ ما يُرمَي من الجَمراتِ
وكلُّ صغير كانَ لله خَالصًا ... يُربِّى عَلَى ما جَاءَ في الصَّدقاتِ
وكلُّ كبيرٍ لا يكونُ لِوجهِهِ ... فَمثلُ رمادٍ طارَ في الهَبَواتِ
ولكنَّهُ يُرْجَى لِمَنْ مَاتَ محسنًا ... ويُخْشَى على من مَاتَ في غَمراتِ
وما اليومُ يَمتازُ التَّفاضُل بينهُم ... ولكن غَدًا يَمتازُ في الدَّرجاتِ
إِذَا رُوِّعَ الخاطِي وَطَارَ فُؤادُهُ ... وَافرخَ رَوْعُ البِّر في الغُرُفاتِ
وما يعرفُ الإنسانُ أين وَفاتهُ ... أفي البرِّ أم في البحرِ أم بِفلاةِ
فَيا إخوَتي مهما شَهِدتُم جَنَازَتي ... فقومُوا لربِّي وأسألُوه نَجاتِي
وجُدُّوا ابتهالاً في الدُّعاءِ واخْلِصُوا ... لعل إلهي يَقْبَلُ الدَّعواتِ
وقولاً جميلاً إن عَلِمتُم خِلافهُ ... وأَغْضُوا على ما كان من هَفواتِ
ولا تَصفُوني بالذي أنا أهلُهُ ... فَأَشْقَى وحَلُّوني بِخيرِ صِفاتِي
ولا تَتَناسَوني فَقدْمًا ذَكَرتكمُ ... وَوَاصَلْتكُم بالبرِّ طولَ حَيَاتِي
وبالرَّغمِ فارقتُ الأحبَّةَ منكم ... ولما تُفارقني بكم زَفراتِي
وإن كنت ميتًا بين أيديكُم لَقًا ... فروحِي حيٌّ سامعٌ لِنُعاتِي
أناجيكم حيًّا وإن كنتَ صامتًا ... ألا كلكم يومًا إلىّ سَياتِي
وليس يقومُ الجسمُ إلا بِرُوحِه ... هو القُطْبُ والأعضاءُ كالأدواتِ
ولا بدَّ يومًا أن يَحُورَ بعينه ... ليُجزَى على الطَّاعاتِ والتَّبعاتِ
وإلَاّ أكُن أهلاً لفضل ورحمةٍ ...