للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ذراعيها لمقبل عليها إلا لتحرقه، قال الله تعالى: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: ٣٣] فماذا غرك فيها أيها المسكين، إن كان الذي غرك فيها كثرة النقدين أو ما ناب منابهما من أوراق، فإن الجنة حصباؤها اللؤلؤ، وترابها الزعفران، وبناؤها الذهب والفضة، والدر والياقوت، وإن كان الذي غرك منها فواكهها ومطعوماتها وما حوت من متاع، فإن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإن كان الذي غرك جمال نسائها، فإن في الجنة {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: ٥٦] {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ: ٣٣] لو ظهر بنان إحداهن على الدنيا لأضاءت ما بين السماء والأرض ينظر إلى وجهه في خدها أصفى من المرآة، وتسر بمشاهدتها سرورًا لا يعلم قدره إلا الله، لا تنظر إلا إليها ولا تنظر إلا إليك، لا تتكلم إلا بما يسرك، تأمرها فتخضع، وتحدثها فتسمع، إذا تكلمت أطربت، لا تفتخر عليك بحسنها وجمالها، ولا تمن بجميل صنعها، لا تنفر منك ولا تغضب، ولا تلهو عنك ولا تصخب، الجمال كساؤها، والكمال رداؤها، والود والوفاء من طبعها، لا يعلو صوتها على صوتك ولا تجتهد إلا في مرضاتك، هادئة، ساكنة راضية تلك وأمثالها للمؤمنين المعلومين، من قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ٢] إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: ١١] أيها المسلمون، لقد فاز والله من اجتهد فيما ينجيه، وخاب من أتعب نفسه فيما يخزيه، وأنتم الآن في فسحة من أجلكم، وصحة من أبدانكم، واكتمال من عقولكم، وآخر الأجل غائب عنكم، ولا تدرون كيف حالكم بعد يومكم فسارعوا إلى {مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:

<<  <  ج: ص:  >  >>