صغيرة ولا كبيرة فقرأتها بلسان كليل وقلب منكسر وداخلك من الخجل والجبن والحياء من الله الذي لم يزل إليك محسنًا وعليك ساترًا.
فبأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فعلك وعظيم جرمك وبأي قدم تقف غدًا بين يديه وبأي طرف تنظر إليه وبأي قلب تحتمل كلامه العظيم الجليل ومساءلته وتوبيخه.
وتصور نفسك بصغر جسمك بين يدي من السموات السبع والأرض كخردلة في كفه الكبير المتعالى شديد المحال الذي ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها وقلوب العباد بين إصبعين من أصابعه لا إله إلا هو القوي العزيز.
وتصور نفسك بهذه الهيئة والأهوال محدقة بك من جوانبك ومن خلفك فكم من كبيرة قد نسيتها أثبتها عليك الملك وكم من بلية أحدثتها فذكرتها وكم من سريرة قد كنت كتمتها قد ظهرت وبدت.
وكم من عمل قد كنت تظن أنه قد خلص لك وسلم فإذا هو بالرياء قد حبط بعد ما كان أملك فيه عظيمًا فيا حسرة قلبك وتأسفك على ما فرطت في طاعة ربك قال تعالى:{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}[الزمر: ٥٦] . وقال تعالى:{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[مريم: ٣٩] .
حتى إذا كرر عليك السؤال بذكر البلايا ونشرت مخبآتك التي طالما أخفيتها وسترتها عن مخلوق مثلك لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرًا ولا نفعًا وقد ظهرت قلة هيبتك لله وقلة حيائك منه وظهرت مبارزتك له بفعل ما نهاك عنه.
فما ظنك بسؤال من قد امتلأ سمعك من عظمته وجلاله وكبريائه وسائر صفات كماله وكيف بك إن ذكرك مخالفتك له وركوبك معاصيه وقلة اهتمامك بنهيه ونظره إليك وقلة اكتراثك في الدنيا بطاعته.