يا عباد الله، يا من في أيديهم شيء من ولاية، إن الحكم العدل سبحانه، كما أوجب لكم حقًا على من لكم عليه ولاية، وأمره باحترامه والقيام به، فكذلكم أوجب عليكم حقًا لمرؤوسيكم ومن في سلطانكم، ومن تحت رعايتكم، وآذنكم بخطورته، وعظم مسؤوليته على لسان رسوله بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» . فاتقوا الله فيما استرعاكم الله فيه، وأدوا ما أوجبه الله عليكم من حقوق مرؤوسيكم ورعاياكم تكونوا من خير الأمة الذين قال الرسول فيهم - صلى الله عليه وسلم -: «إن خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم» وتبتعدوا عمن عناهم - صلى الله عليه وسلم - بقوله:«وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» .
وإن أعظم تلكم الحقوق إقامة العدل بينهم، والإحسان بهم، وخفض الجناح لمؤمنهم؛ يقول تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}[النساء: ٥٨] . ويقول:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل: ٩٠] . ويقول:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء: ٢١٥] . كما وأن من حق الرعية عليكم أن تحوطوهم بالنصح، وأن تسعوا بإخلاص وجد فيما يجلب لهم النفع، ويدرأ عنهم الضرر، وأن تتجنبوا كل ما يثير نفوس أفراد الرعية، ويعرضهم للحقد والمنازعة كالاستئثار بالمصالح، ومعاملتهم بالشدة والقسوة، وتكليفهم ما يعنتهم ويشق عليهم ونحو ذلك، مما يسبب بغض الرعية للراعي، ويعرضه للمنازعة في الدنيا، وللعذاب الأليم في الآخرة. يقول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري ومسلم:«ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة» .