فما من نفس في هذه الدنيا إلا وهي ذائقة الموت مهما طال عمرها أو عظم شأنها أو كثر مالها وولدها {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[العنكبوت: ٥٧] . وإن الله سبحانه وتعالى قد أعلمنا بسر هذا الإيجاد وحكمته في هذه الدنيا الفانية وما يتطلبه الانتقال منها بعد إلى الآخرة الباقية بقوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات: ٥٨] . وقوله في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنه تبارك وتعالى قال: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أن أو لكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» .
وإنه ليجدر بالعاقل الذي علم أنه أوجد في هذا الكون لحكمة وأنه سيموت بعد هذا الإيجاد ولا يدري في أي أرض أو في أي ساعة يموت، وأنه سوف لا ينفعه ويصحبه إذا انتقل من هذا العالم الدنيوي الفاني إلى ذلكم العالم الأخروي الباقي إلا ما قدمه في حياته من أعمال بر وخير وهدى، أن ينظر دائمًا نظر المستزيد إلى ما قدمه لغده، إلى ما ينفعه عند الله ما دام حيًا