تعالى عند الأكل والشرب واللبس والركوب والجماع لما في مقارنة اسم الله تعالى من البركة، وكل شيء لا يكون لله فبركته منزوعة، فإن الرب -جل جلاله- هو الذي يبارك وحده، والبركة كلها منه، وكل ما نسب إليه مبارك، فكلامه مبارك، ورسوله مبارك، وعبده المؤمن النافع لخلقه مبارك، وبيته الحرام مبارك، فلا مبارك إلا هو وحده لا شريك له، وكل ما باعده الله من نفسه المقدسة من الأعيان والأقوال والأعمال فلا بركة فيه، ولا خير فيه، وكل ما كان منه -تعالى- قريب ففيه من البركة على قدر قربه منه، وضد البركة اللعنة، فأرض لعنها الله أو شخص لعنه الله أو عمل لعنه الله أبعد شيء من الخير والبركة، وكل ما اتصل بذلك وارتبط به وكان منه بسبيل فلا بركة فيه ألبتة، فمن ههنا كان للمعاصي أعظم تأثير في محق بركة العمر والرزق والعلم والعمل، وكل وقت عصيت الله فيه أو مال عصي الله به أو بدن أو جاه أو علم أو عمل فهو على صاحبه ليس له، فليس له من عمره وماله وقوته وجاهه وعلمه وعمله إلا ما أطاع الله تعالى به، ولهذا فمن الناس من يعيش في هذه الدار مائة سنة أو نحوها ولا يبلغ عمره في الحقيقة عشر سنين أو نحوها، كما أن منهم من يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ولا يبلغ ما له في الحقيقة ألف درهم أو نحوها ... وهكذا الجاه والعلم.
فبادروا -رحمكم الله تعالى- بالتوبة والأعمال الصالحة قبل فوات الأوان، فالفرصة ها هي ذي سانحة، ووسائل الهدى ما تزال حاضرة، وباب التوبة ها هو ذا مفتوح، وليس على بابه من يمنع، ولا يحتاج من يلجه إلى استئذان، وهي أمنية لا ينالها إلا الموفقون، فإذا انتهت هذه الحياة فلا كرة ولا رجوع، فهيا وأنتم أولاء في دار العمل، وهي فرصة واحدة، فإذا انتهت لا