للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بأصناف النعم بل بطر وانتفش وركن إلى الدنيا وافتخر بماله وولده وأنصاره وأنكر البعث كما أخبر الله تعالى عنه بقوله: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً} [الكهف: ٣٤- ٣٦] . فلما سمع الرجل الشاكر مقالته لم يتجه إلى المتاع والزخرف يسأله ربه فالدنيا عنده حقيرة صغيرة وإنما اتجه إلى القيم الباقية إلى تحقيق الحق وإزهاق الباطل. فغضب لربه وانتفض الإيمان في قلبه فلم يبال المال ولم يدار النفر ولم يتلعثم في الحق ولم يجامل فيه وقال معتزًا بعقيدته وإيمانه معتزًا بالله الذي تعنو له الوجوه منكرًا على صاحبه بطره وكبره مذكرًا له بمنشئه من ماء وطين موجها له إلى الأدب الواجب في حق النعمة وشكر المنعم بها منكرًا عليه طغيانه وكفره راجيًا عند ربه ما هو خير وأبقى من حديقتيه وثماره كما أخبر الله تعالى عنه أنه: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} [الكهف: ٣٧ - ٤١] . فاستجاب الله دعوة الرجل المؤمن وحقق ما توقعه على جنة هذا المغرور المتبجح فما هي إلا ساعة من نهار أو ليل فإذا الثمر كله مدمر كأنما أخذ من كل جانب فلم يسلم منه شيء وإذا الجنة خاوية على عروشها مهشمة محطمة وإذا المغرور المنتفش بالأمس يقلب كفيه أسفًا وحزنًا على ماله الضائع وجهده الذاهب وإذا كل شيء في الحديقتين ينقلب من مشهد النماء والازدهار إلى مشهد

<<  <  ج: ص:  >  >>