بدأكم أول مرة، فيسمعكم الداعي، وينفذكم البصر، قد ألجمكم العرق وغشيكم القتر، ومادت الأرض فهي بما عليها ترجف، وبست الجبال فهي برياح القامة تنسف، وشخصت الأبصار، فما ترى من عين تطرف وغص بأهل السموات والأرض الموقف. فبينما الخلائق متطلعو أنبائها، وقوفًا صفوفًا والملائكة على أرجائها، إذ أحاطت بهم ظلمات ذات شعب، وغشيهم منها شواظ ولهب، وسمعوا لها جرجرة زفير وصخب، فعند ذلك يجثو الظالمون على الركب، ويشفق المراؤون من سوء المنقلب وتطرق الأنبياء لسلطان الرهب، وينادى أين عبد الله وابن أمته، وأين المسرف على نفسه بخطيئته؟ فيعرف من بين الخلائق بسمته، ويحضر مطالبًا بإقامة حجته. فخاب والله هناك من كان على نفسه مسرفًا، ولم يجد من خلطائه وأخلائه ناصرًا ولا مسعفًا، بل يجد الحاكم له وعليه عدلاً ومنصفًا {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً}[الكهف: ٥٣] . زحزحنا الله وإياكم عن النار وأدخلنا بفضله ورحمته دار القرار. إن أحسن ما فاه به اللسان كلام من خلق الإنسان وعلمه البيان. والله يقول وقوله الحق المبين:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[النحل: ٩٨] . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد: ٤٢] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم منه بالآيات والذكر الحكيم، وثبتني وإياكم على الصراط المستقيم، وأجارني وإياكم من عذابه الأليم.