للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وغرتكم الحياة الدنيا وما ينبغي ذلك لعاقل، فكم ترون من هالك بعد هالك، وراحل بعد راحل، وكم تشاهدون من ملك عظيم وملكه عنه زائل، ولم تغن عنه من الله شيئًا معداته والجحافل، وكم من غني كبير ذهب عنه ماله الكثير الطائل، وأقبل كل على الله بما هو عامل، والتحق الأواخر بالأوائل، ولقيت خزاعة بكر بن وائل، وسيحكم الله بين عباده ويجازي كلاً بما عمل وهو الكريم العادل {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} [الأعلى: ١٢] .

هذه الدار خداعة مكارة، ساخرة بأهلها غرارة، ونفسك أيها الإنسان بالسوء أمارة، والشيطان يأتيك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك، ويأمرك بالسوء والفحشاء ويدعوك إلى الخسارة، فيا لك من ثلاثة أعداء تآمروا عليك وبحسن العبارة قد صرفوك عن كل بشارة ونذارة، وزينوا لك الشر وأطواره، وحسنوا لك الذنوب بكل مهارة، ودعوك إلى الفساد بالتصريح والتلميح والإشارة، وأنت بهم واثق وإليهم راكن، لا تنفعك الموعظة ولا تسمع من الخطيب إنكاره، وإسهابه في التحذير وإكثاره، فاتقوا الله وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا، وقودها الناس والحجارة {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق: ٣] .

تمكن والله حب الدنيا من قلوب الكفار والمسلمين، فأصبحوا لا يبالون في سبيلها بمروءة ولا دين، وتحكمت في بني آدم الشياطين فزينوا لهم ما كانا يعملون، وقالوا لهم ما أنتم بميتين إلا الموتة الأولى وما أنت بمعذبين، وما هذه الآيات والمواعظ إلا أساطير الأولين، فأصبح الناس بالأديان مستهزئين،

<<  <  ج: ص:  >  >>