الحمد لله، فتح لأرباب البصائر أنوار الهدى، ووعد المحسنين خير الجزا؛ أحمده سبحانه تنزه عن كل النقائص وعلى العرش استوى؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فالق الحب والنوى؛ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أدبه ربه فأحسن تأديبه، وانتهت إليه الفضائل؛ فأعظم بشمائل المصطفى. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله؛ إن أعظم وسيلة تحفظ التوازن بين الجماعة الإسلامية، هي آداب الدين؛ إنها تصقل النفوس، وترتفع بها إلى درجات الصالحين؛ وأنها لتجمع للمتأدب بها بين سعادتي الدنيا والدين. وإن من أدب الدين، كف اللسان عن الإثم والأذى، وعن الانطلاق في أعراض الناس، وعن السخرية بهم، أو لمزهم وتنقص أحوالهم، أو رميهم بما هم منه بريئون. إذن أن ذلك –يا عباد الله- مما يقطع الألفة بين المسلمين، ويهدم الأخوة في الدين، وسيؤاخذ العباد عليه أحكم الحاكمين؛ {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:: ١٨] . ولقد عجب معاذ بن جبل صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عجب من أن يؤاخذ العبد بما يتكلم به، وقد أوصاه رسول الله بأن يكف لسانه، فقال معاذ رضي الله عنه: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم، إلا حصائد ألسنتهم» : ما يكسبونه من الإثم عن طريق اللسان. وإن في الناس من لا يردعه دينه أو ورعه عن أن يُطلق للسانه العنان، فيسرف في التجني على عباد الله بالسخرية واللمز؛ فهذا طويل، وذاك قصير، وهذا أحمق، وذاك أرعن، وهذا سخيف، وذاك فظيع. وكأنه وكل إليهم تشريح عباد الله وتجريحهم، وتسقطهم، وتتبع عوراتهم، وأكل لحومهم! ولكل الناس عورات