قيل لبشر الحافي أن قومًا يتعبدون في رمضان ويجتهدون في الأعمال فإذا انسلخ تركوا قال: بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان وقال الحسن البصري: لا يكون لعمل المؤمن أجل دون الموت ثم قرأ «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين» فكأنكم بالحال وقد حال وبالمال قد مال وبالملك وقد زال وبملك الموت وقد هال وبالملك الحافظ وقد طوى صحيفة الأعمال وبأحدكم وقد نزل به ما لم يخطر له ببال ولا مخلص ولا حول ولا احتيال.
فاتقوا الله عباد الله ومهدوا لأنفسكم في زمن الإمهال فإنما هي أيام معدودات وليال واعلموا أنه قد عم الفناء فما إلى البقاء سبيل وتم القضاء فلا تغيير فيه ولا تبديل وطم بحر الموت فحار فيه الدليل فلو نجا منه شريف أو أصيل أو صاحب قدر ووجه جميل لكان أول ناج منه محمد صاحب التنزيل.
فيا ابن آدم كيف لا تتقي مولاك وقد والى عليك النعم وأولاك وكيف لا تطيع من أوجدك وبراك وأنت تعلم أنه يسمعك ويراك وكيف نسيت من خلقك وسواك وتغافلت كأن المخاطب سواك وكيف أقبلت على الهوى إذ دعاك وأعرضت عمن يرحم افتقارك ويستجيب دعاك وكيف بارزت من لطف بك ورباك وهو الذي عَطَّفَ عليك أمك وأباك.
فما أعذرك يا مغرور وألهاك وما أضجرك عند اضطرارك وبلواك وما أجدرك بالتوبيخ والزجر وأولاك وما أجهلك بما ينفعك في آخرتك ودنياك وما أغفلك عن الموت وهو والله لا يغفل عنك ولا ينساك فدارك نفسك بالتقوى قبل فراق دارك وتب إلى الله من ذنوبك وأوزارك قبل بعد دارك وشطوط مزارك وتفطن لنفسك.