ثم من تمام النعمة وعظيم الحكمة أن جعل سبحانه الصحو يتخلل نزول الغيث، فصارا يتعاقبان لما فيه صلاح هذا العالم، فلو دام واحد منهما عليه لكان فسادًا.
ألا ترى إلى الأمطار إذا توالت وكثرت عفنت البقول والخضروات، وهدمت المساكن والبيوت، وقطعت السبل، ومنعت من الأسفار وكثير من الحرف والصناعات، ولو دام الصحو لجفت الأبدان والنبات، وعفن الماء الذي في العيون والأودية، فأضر ذلك بالعباد، وغلب اليبس على الهواء فأحدث ضررًا آخر من الأمراض، وغلت بسببه الأسعار من الأقوات، وبطل المرعى، وتعذر على النحل ما يجده من الرطوبة التي يرعاها على الأزهار، وإذا تعاقبا على العالم اعتدل الهواء، ودفع كل واحد منهما ضرر الآخر، فصلحت الأشياء واستقامت، وهذا هو الغالب من مشيئة الله.
فإن قيل: قد يقع من أحدهما ضرر في بعض الأوقات.
قلنا: قد يكون ذلك لتنبيه الإنسان بتضاد الأشياء على نعمة الله تعالى وفضله ورحمته أنه هو الغالب، فيحصل لهم بتلك انزجار عن الظلم والعصيان، ألا ترى من سقم جسمه احتاج إلى ما يلائمه من الأدوية البشعة الكريهة ليصلح جسمه ويصح ما فسد منه، قال الله:{وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}[الشورى٢٧] .