اعلم وفقنا الله وإياك، أن الله خلق النار، وهي من أعظم النعم على عباده، ولما علم الله سبحانه وتعالى أن كثرتها وبثها في العالم مفسدة جعلها الله بحكمته محصورة، حتى إذا احتيج إليها وجدت واستعملت في كل أمر يحتاج إليها فيه، فهي مخزونة في الأجسام، ومنافعها كثيرة لا تحصى: فمنها ما تصلحه من الطبائخ والأشربة التي لولاها لم يحصل فيها نضج ولا تركيب ولا اختلاط، ولا صحة هضم لمن يستعملها في أكل وشرب.
فانظر لطف الباري سبحانه في هذا الأمر المهم، ثم انظر فيما يحتاج الناس إليه من الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير وغير ذلك فلولاها لم يكن شيء من الانتفاع من هذه الأشياء، فيها يذاب النحاس، فتعمل منه الأواني وغيرها، وقد نبه الله تعالى على مثل ذلك بأنها نعمة توجب الشكر، فقال تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً}[سبأ: ١٣] .
وبه يلين الحديد فيعملون به أنواعًا من المنافع والآلات للحروب، مثل الدروع، والسيوف إلى غير ذلك مما يطول تعداده، وقد نبه الله تعالى على مثل هذا فقال:{وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}[الحديد: ٢٥]
وقال تعالى:{لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ}[الأنبياء: ٨٠] .