للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ترى مثل هذا يمكن أن يكون مهملاً؟

أرأيت لو لم يجر له الدم غذاء وهو في الرحم، ألم يكن يذوي ويهلك ويجف كما يجف النبات إذا انقطع عنه الماء.

ولو لم يزعجه المخاض عند استكماله، ألم يكن يهلك ببقائه في الرحم هو وأمه؟ ولو لم يوافه اللبن عند ولادته، ألم يكن يموت جوعًا وعطشًا أو يغذى بما لا يوافق ولا يصلح عليه بدنه؟

ولو لم يخلق له الأسنان في وقتها، ألم يكن يمتنع عليه مضغ الطعام وازدراده ويقيم على الرضاع ولا يشتد جسمه؟

ولو لم يخرج له شعر الوجه لبقي في هيئة النساء والصبيان، فلا ترى له هيبة ولا جلالاً ولا وقارًا، ومن ذا الذي يرصده حتى يوفيه بكل هذه المآرب في وقتها، إلا الذي أنشأه بعد أن لم يكن شيئًا مذكورًا وتفضل عليه ومن عليه بكل هذه النعم.

فكر في شهوة الجماع الداعية لإحيائه، والآلة الموصلة إلى الرحم النطفة، والحركة الموجبة لاستخراج النطفة، وما في ذلك من التدبير المحكم.

ثم فكر في جملة أعضاء البدن وتهيئة كل عضو منها للإرب الذي أريد منها، فالعينان للاهتداء بالنظر، واليدان للعلاج والحذف والدفع، والرجلان للسعي، والمعدة لهضم الطعام، والكبد للتخليص والتمييز، والفم للكلام ودخول الغذاء، والمنافذ لدفع الفضلات، وإذا تأملت كذلك مع سائر ما في الإنسان وجدته قد وضع على غاية الحكمة والصواب.

فكر في وصول الغذاء إلى المعدة حتى ينضجه ويبعث صفوه إلى الكبد في عروق دقاق قد جعلت كالمصفاة للغذاء، ولكيلا يصل إلى الكبد منه شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>