نظره من ذلك، فمن ذلك جعله فيها لا يحتاج إلى استدعاء، ولا يحتاج المولود إلى ما بين ذلك لا بوعظ ولا تنبيه، بل ذلك في الطباع إلى وقت حاجة المولود إلى الإغاثة في غذائه، ولولا ذلك لنفرت الأمهات عنه من شدة التعب وكلفة التربية حتى اشتد جسمه وقويت أعضاؤه الظاهرة والباطنة لهضم الغذاء، فحينئذ أنبت له الأسنان عند الحاجة إليها لا قبل ذلك ولا بعده.
ثم انظر كيف خلق الله فيه التمييز والعقل على التدريج إلى حين كماله وبلوغه، وانظر وفكر في سر كونه يولد جاهلاً غير ذي عقل وفهم، فإنه لو كان ولد عاقلاً فيهما لأنكر الوجود عند خروجه إليه حتى يبقى حيران تائه العقل، إذ رأى ما لا يعرف، وورد عليه ما لم يره ولم يعهد مثله، ثم كان يجد غضاضة أن يرى نفسه محمولاً وموضوعًا معصبًا بالخرق، ومسجى في المهد مع كونه لا يستغنى عن هذا كله لرقة بدنه ورطوبته حين يولد.
ثم كان لا يوجد له من الرقة له، والحلاوة والمحبة في القلوب ما يوجد للصغير لكثرة اعتراضه بعقله واختياره لنفسه، فتبين أن ازدياد العقل والفهم فيه على التدريج أصلح به.
أفلا يرى كيف أقام كل شيء من الخلقة على غاية الحكمة وطريق الصواب وأعلمه تقلب الخطأ في دقيقة وجليلة؟
ثم انظر فيما إذا اشتد خلق فيه طريقًا وسببًا للتناسل، وخلق في وجهه شعرًا ليميزه عن شبه الصبيان والنسوان، ويجمله ويستر به غضون وجهه عند شيخوخته، وإن كانت أنثى أبقى وجهها نقيًا من الشعر لتبقى لها بهجة ونضارة تحرك الرجال لما في ذلك من بقاء النسل.
فكر الآن فيما ذكرناه ودبره سبحانه في هذه الأحوال المختلفة، هل