للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا} [النازعات٢٧] ، إلى آخر ما نبه به.

وتأمل لو اجتمع الإنس والجن على أن يخلقوا للنطفة سمعًا وبصرًا وحياة لم يقدروا على ذلك.

فانظر كيف خلقها سبحانه في الأرحام، وشكلها فأحسن تشكيلها، وقدرها فأحسن تقديرها، وصورها فأحسن تصويرها، وقسم أجزاءها المتشابهة إلى أجزاء مختلفة، فأحكم العظام في أرجائها، وحسن أشكال أعضائها، ورتب عروقها وأعصابها، ودبر ظاهرها وباطنها، وجعل فيها مجرى لغذائها، ليكون ذلك سببًا لبقائها مدة حياتها.

ثم كيف رتب الأعضاء الباطنة -من القلب، والكبد، والمعدة، والطحال، والرئة، والرحم، والمثانة، والأمعاء- كل عضو بشكل مخصوص ومقدار مخصوص لعمل مخصوص، فجعل في المعدة لنضج الغذاء عصبًا معينًا شديدًا لحاجتها، وبذلك يمكن تقطيعه وطحنه، وجعل طحن الأضراس أولاً معينًا للمعدة على جودة طحنه وهضمه، وجعل الكبد لإحالة الغذاء إلى الدم فيجذب منه إلى عضو من الغذاء ما يناسبه، فغذاء العظم خلاف غذاء اللحم، وغذاء العروق خلاف غذاء الأعصاب، وغذاء الشعر خلاف غذاء غيره، وجعل الطحال والمرارة والكلية لخدمة الكبد، فالطحال لجذب السوداء، والمرارة لجذب الصفراء، والكلية المائية عنه، والمثانة لقبول الماء عن الكلية، ثم يخرجه في مجرى الإحليل والعروق والكبد في اتصال الدم منه إلى سائر أطراف البدن، وجعل جوهرها أنقى من جوهر اللحم ليصونه ويحصره، فهي بمنزلة الظروف والأوعية.

ثم انظر كيف دبره في الرحم ولطف به ألطافًا يطول شرحها، ولا يستكمل العلم بجملتها إلا خالقها، ويعجز الواصف عن وصف ما وصل إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>