للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقدر يوافقه.

وأما أمر الأعصاب والعروق والأوردة والشرايين ومنابتها وسعتها، فأعجب من هذا وشرحه يطول.

ثم عجائب ما فيه من المعاني والصفات التي لا تدرك بالحواس أعظم.

ثم انظر إلى ما شرف به وخص في خلقه بأنه خلق ينتصب قائمًا، ويستوي جالسًا، ويستقبل الأمور بيديه وجوارحه، ويمكنه العلاج والعمل، ولم يخلق مكبوبًا على وجهه كعدة من الحيوانات، إذ لو كان كذلك لما استطاع هذه الأعمال.

ثم انظر من حيث الجملة إلى ظاهر هذا الإنسان وباطنه. فتجده مصنوعًا صنعة بحكمة تقضي منها العجب، وقد جعل سبحانه أعضاءه تامة بالغذاء، والغذاء متوال عليها. لكنه تبارك وتعالى قدرها بمقادير لا يتعداها، بل يقف عندها ولا يزيد عليها، فإنها لو تزايدت بتوالي الغذاء عليها لعظمت أبدان بني آدم، وثقلت عن الحركة، وعطلت عن الصناعات اللطيفة ولا تناولت من الغذاء ما يناسبها، ومن اللباس كذلك، ومن المساكن مثل ذلك، وكان من بليغ الحكمة وحسن التدبير وقوفها على هذا الحد المقدر رحمة من الله ورفقًا بخلقه، فإذا وجدت هذا كله صنعة الله تعالى من قطرة ماء، فما ظنك بصنعته في ملكوت السموات والأرض وشمسها وقمرها وكواكبها، وما حكمته في أقدارها وأشكالها وأعدادها وأوضاعها، واجتمع بعضها وافتراق بعضها، واختلاف صورها وتفاوت مشارقها ومغاربها، فلا تظن أن ذرة في السموات والأرض وسائر عالم الله ينفك عن حكم، بل ذلك مشتمل على عجائب وحكم لا يحيط بجمعها إلا الله سبحانه وتعالى، ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً

<<  <  ج: ص:  >  >>