العالم، فيدلك ذلك مع كونه ممكنًا مفتقرًا ليس بواجب بنفسه إلى أنه مفتقر إلى فاعل ذلك الآخر حتى ينتهي الأمر إلى الرب الخالق لكل شيء، ويمتنع أن يكون للعالم فاعلان مفعول كل منهما مستغن عن مفعول الآخر كما قال تعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}[المؤمنون: ٩١] . ويمتنع أن يكونا مستقلين، لأنه جمع بين النقيضين، ويمتنع أن يكونا متعاونين متشاركين كما يوجد ذلك في المخلوقين لاستلزام ذلك العجز والحاجة إلى الآخر.
٤٥) وهو تعالى مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، إذ كل غاية تفرض كمالا إما أن تكون واجبة له أو ممكنة أو ممتنعة، والقسمان الأخيران باطلان فوجب الأول، فهو منزه عن النقص وعن مساواة شيء من الأشياء له في صفات الكمال، بل هذه المساواة هي من النقص أيضًا، وذلك لأن المتماثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، فلو قدر أنه ماثل شيئًا في شيء من الأشياء للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع على ذلك الشيء وكل ما سواه ممكن قابل للعدم، بل معدوم مفتقر إلى فاعل، وهو مصنوع مربوب محدث، فلو ماثله لزم اشتراكهما في هذه الأمور، وقد تبين أن كماله من لوازم ذاته لا يمكن أن يكون مفتقرًا فيه إلى غيره، فضلاً عن أن يكون ممكنًا أو مصنوعًا أو محدثًا.
٤٦) وأما المخالفون للرسل من المشركين والصابئة ومن اتبعهم من الجهمية والفلاسفة والمعتزلة ونحوهم، فطريقتهم نفي مفصل وإثبات مجمل ينفون صفات الكمال ويثبتون مالا يوجد إلا في الخيال، فيقولون ليس بكذا ولا بكذا إلى آخر ما يقولون.