للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا فَرِحَتْ نَفْسٌ بِبَلْوَى وَقَدْ رَأَتْ ... عِظَاتٍ مِنَ الأَيْامِ بَعْدَ عِظَاتِ

إِذَا بَغتَتَ أَشْيَاءُ قَدْ كَانَ مِثْلُها ... قَدِيمًا فَلا تَعْتدها بغتاتِ

وَأَعْقِبْ مِن النَّومِ التَّيَقُظ رَاشِدًا ... فلا بُدَّ لِلنُّوامِ من يَقظاتِ

ومن عظة الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز أما بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة لها في كل حين قتيل تذل من أعزها وتفقر من جمعها هي كالسم يأكله من لا يعرفه وفيه حتفه فكن فيها كالمداوي جراحه يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا ويصبر على شدة الدواء مخافة طول الداء، فأحذر هذه الدنيا الخداعة الغدارة الختالة التي قد تزينت بخدعها وقتلت بغرورها وتحلت بآمالها وسوفت بخطابها.

فأصبحت كالعروس المجلية العيون إليها ناظرة والقلوب عليها والهة وهي لأزواجها كلهم قالية، فلا الباقي بالماضي معتبر ولا الآخر بالأول مزدجر، فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى ونسي المعاد فشغل فيها لبه حتى زلت به قدمه فعظمت ندامته وكثرت حسرته واجتمعت عليه سكرات الموت وتألمه وحسرات الفوت بغصته وراغب فيها لم يدرك منها ما طلب ولم يرح نفسه من التعب فخرج بغير زاد وقدم على غير مهاد.

فاحذرها يا أمير المؤمنين وكن أسر ما تكون فيها أحذر لها فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته إلى مكروه وضار وقد وصل الرخاء منها بالبلاء وجعل البقاء إلى فناء فسرورها مشوب بالأحزان أمانيها كاذبة وآمالها باطلة وصفوها كدر وعيشها نكد وابن آدم فيها على خطر اهـ , وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>