وَإِنْ لَمْ تُفَرِّدْهُ العِبَادُ فَمُفْرَدُ
مَلِيْكُ السَّمَوَاتِ الشِّدَادِ وَأَرْضِهَا ... وَلَيْسَ بِشَيءٍ عَنْ قَضَاهُ تَأْوُّدُ
هُوَ الله بَارِى الخَلْقِ وَالخَلْقُ كُلُّهُمْ ... إِمَاءٌ لَهُ طَوْعًا جَمِيْعًا وَأَعْبُدُ
وَأَنَّى يَكُوْنُ الخَلْقُ كَالخَالِقِ الذِي ... يُمِيْتُ وَيُحْيِي دَائِبًا لَيْسَ يَهْمَدُ
تَسْبِّحُهُ الطَّيْرُ الجَوَانِحُ فِي الخَفَا ... وَإِذْ هِيَ في جَوِّ السَّمَاءِ تُصَعِّدُ
وَمِنْ خَوْفِ رَبِّي سَبَّحَ الرَّعْدُ فَوْقَنَا ... وَسَبَّحَهُ الأَشْجَارُ وَالوَحْشُ أَبَّدُ
وَسَبَّحَهُ النِّيْنَانُ والبَحْرُ زَاخِرًا ... وَمَا طَمَّ مِنْ شَيءٍ وَمَا هُوَ مُقْلَدُ
أَلا أَيُّهَا القَلْبُ المُقِيْمُ عَلَى الهَوَى ... إِلى أَيِّ حِيْنٍ مِنْكَ هَذَا التَّصَدُّدُ
عَنْ الحَقِّ كَالأَعْمَى المُمِيْطِ عَنْ الهُدَى ... وَلَيْسَ يَرُدُّ الحَقَّ إِلا مُفَنِّدُ
وَحاَلاتُ دُنْيًا لا تَدُوْمُ لأهْلِهَا ... فَبَيْنَ الفَتَى فِيْهَا مَهِيْبٌ مُسَوَّدُ
إِذَا انْقَلَبَتْ عَنْهُ وَزَالَ نَعِيْمُهُا ... وَأَصْبَحَ مِن تُرْبِ القُبُوْرِ يُوَسَّدُ
وَفَارَقَ رَوْحًا كَانَ بَيْنَ جِنَانِهِ ... وَجَاوَرَ مَوْتَى مَا لَهُمْ مُتُرَدَّدُ
فَأَيُّ فَتى قَبْلِي رَأَيْتَ مُخَلَّدًا ... لَهُ في قَدِيمِ الدَّهْر مَا يَتَوَدَّدُ
فَلَمْ تَسْلَمْ الدُّنْيَا وإن ظَنَّ أَهْلُهَا ... بِصِحَّتِهَا والدَّهْر قَدْ يَتَجَرَّدُ
أَلَسْتَ تَرَى فِيْمَا مَضَى لَكَ عِبْرَةً ... فَمَهْ لا تَكُن يَا قَلْبُ أَعْمَى يُلَدَّدُ
فَكُنْ خَائِفًا لِلْمَوتِ والبَعْثِ بَعْدَهُ ... وَلا تَكُ مِمَّنْ غَرَّه اليَوْمُ أَوْ غَدُ
فَإِنَّكَ في دُنْيَا غَرُوْرٍ لأَهْلِهَا ... وَفِيْهَا عَدُوٌّ كَاشِحُ الصَّدْرِ يُوْقِدُ
انتهى.