للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقائلون بأنه محكم اختلفوا في دلالة الأمر فيه هل هي على أصلها للوجوب أو أنها مصروفة إلى الندب؟ (١).

وهذا الخلاف يترتب عليه حمل دلالة صيغة (ليفعل) الآتي ذكرها؛ وذلك لأن كل ما لا يتم الواجب أو المندوب إلا به فهو واجب أو مندوب، فوسيلة الشيء تأخذ حكمه، وعليه فإجابة الكاتب للكتابة، وإملال الذي عليه حق، أو وليه يُبنى عليها، كما سيأتي.

الأمر الثاني: إن مقصود الشارع من شرعه كتابة الدَّين حفظ الحقوق.

قال ابن العربي: «يريد أن يكون صكاً يستذكر به عند أجله؛ لما يتوقع من الغفلة في المدة التي بين المعاملة وبين حلول الأجل، والنسيان موكل بالإنسان، والشيطان ربما حمل على الإنكار والعوارض من موت وغيره تطرأ، فشرع الكتاب والإشهاد … » (٢).


(١) ذهب الجمهور إلى أنه أمر ندب، إذ الأمر للإرشاد، بدليل إمكان إسقاط الكتابة عند الأمن من ضياع الحق، كما قال في قوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ الآية [البقرة: ٢٨٣]، كما أن جمهور المسلمين في جميع ديار المسلمين يبيعون بالأثمان المؤجلة من غير كتابة، وفي إيجابها حرج شديد ومشقة.
وذهب طائفة من أهل العلم إلى كون الكتابة واجبة، وروي عن ابن عمر، ومجاهد، وابن سرين، وعطاء، والضحاك وغيرهم.
قال الطبري: " وأما الذين زعموا أن قوله: ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ قوله: ﴿وَلَا يَأْبَ﴾ على وجه الندب والإرشاد، فإنهم يسألون البرهان على دعواهم في ذلك، ثم يعارضون كسائر أمر الله ﷿، الذي أمر في الكتابة، ويسألون الفرق بين ما ادعوه في ذلك وانكروه في غيره، فلم يقولوا في شيء من ذلك قولاً إلا ألزموا في الآخر مثله ".
انظر: تفسير الطبري (٦/ ٥٥)، تيسير البيان للموزعي (٢/ ١٦٥)، النسخ في القرآن لمصطفى زيد (٢/ ٢٠٣).
(٢) أحكام القرآن (١/ ٢٤٧).

<<  <   >  >>