للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحكم الثاني: أمر الولي الفقير بالأكل من مال اليتيم لقوله: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾، ولم أر خلافاً بين أهل العلم في حمل الأمر هنا على الإباحة.

قال القرطبي: « … فأمر الغني بالإمساك، وأباح للوصي الفقير أن يأكل من مال وليه بالمعروف» (١).

وقد بيَّن الشيخ العثيمين الصارف له عن الوجوب بأن الأمر جاء عقب النهي، في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا﴾، والأمر بعد النهي إما للإباحة على قول بعض العلماء أو لرفع الحظر، وهنا جاء لرفع الحظر فهو مباح (٢).

ثم إنهم اختلفوا بعد ذلك في تأويل الآية، وفي كونها منسوخة أو ثابتة، وفي المراد بالمعروف (٣).

تنبيه: الأمر باستعفاف الغني من الأكل من مال اليتيم وارد بعد حظر أيضاً فلمَ لَمْ يصرف الأمر فيه عن الوجوب لرفع الحظر؟.

والجواب - والعلم عند الله - إن الاستعفاف في قوله: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ وإن كانت صيغته أمر إلا إنه من حيث المعنى نهيٌ، وهي: كذر، واترك، واكفف، والأمر بمعنى النهي يأخذ حكم النهي لا حكم الأمر.

قال ابن النجار: «وكنهي في المعنى: دع واترك وكف وامسك نفسك عن كذا ونحوه. لما كان أبعاض (افعل) ما يدل على الكف عن العمل احتيج إلى التنبيه على إخراجها، ولهذا قال في جمع الجوامع من حد الأمر إنه: اقتضاء فعل غير


(١) الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٤١).
(٢) تفسير القرآن الكريم " سورة النساء " لابن عثيمين (١/ ٤٤).
(٣) انظر: أحكام القرآن لابن الفرس (١/ ٦٥)، نكت القرآن للقصاب (١/ ٢٤٠).

<<  <   >  >>