المعنى الثاني: أن يكون قوله: ﴿وَلْيَحْكُمْ﴾ ابتداءً واستئنافاً، وفيه أمر للنصارى بالحكم بما في كتابهم، وهو الإنجيل.
وهنا يرد الإشكال كيف جاز أن يؤمروا بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن؟!!
وقد اختلفت جوابات أهل العلم عنه، ومن تلك ما أجاب به الجصاص، حيث قال:" … فلا يخلو قوله ذلك من أحد معنيين: إما أن يكون قد استحقوا الذم - لأنهم لم يحكموا بما في الإنجيل بعد بعثة النبي ﵇، ودعائه إياهم إلى دينه، على أنه من حكم الإنجيل شريعة لعيسى على نبينا ﵊ ودون أن تكون شريعة لنبينا ﵇، أو على أنه من شريعة النبي ﵇ دون كونه من شريعة عيسى ﵇. وغير جائز أن يقال: إنهم استحقوا الذم وسمة الفسق، لأنهم أمروا في هذه الحال بالحكم بما في الإنجيل على أنه شريعة لعيسى ﵇، لأن هذا يوجب أن لا يكونوا مأمورين باتباع النبي ﵇ في شرائعه، بل يقتضي: أن يكونوا مأمورين بالبقاء على شريعة عيسى ﵇، وبلوغهم دعوته بالحكم بما في الإنجيل على أنه شريعة لنبينا ﵇، ما لم يأمرهم بخلافها ونسخها، ومن أجل ذلك وصفهم بالفسق، لأنهم زالوا عن حد ما يجب عليهم المصير إليه، من اتباعه، والحكم بما في الإنجيل، على أنه من شريعته ﷺ وفي ذلك أوضح دليل على صحة ما قلنا، والله الموفق للصواب"(١).