للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جماهير أهل العلم، ودلت هذه الآية على أن الفرض على كل ناحية من بلاد المسلمين قتال من وليهم من الأعداء دون الأبعد، وقد نقل الإجماع على ذلك بعض العلماء (١).

ثم إن الآية دلت بصيغة الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر (ليفعل) على صفة من صفات القتال هي الشدة والغلظة على الكفار، لقوله تعالى: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾.

قال الجصاص: «وقوله تعالى: ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ فيه أمر بالغلظة على الكفار الذين أمرنا بقتالهم في القول والمناظرة والرسالة إذا كان ذلك يوقع المهابة لنا في صدورهم، والرعب في قلوبهم، ويستشعرون منا به شدة الاستبصار في الدين والجدَّ في قتال المشركين، ومتى أظهروا لهم اللين في القول والمحاورة استجرؤوا عليهم، وطمعوا فيهم، وهذا حدُّ ما أمر الله به المؤمنين من السيرة من عدوهم» (٢).

وقال الهروي: «والغلظة في زمن الحرب مما تقتضيه الطبيعة والمصلحة لما فيها من شدة الزجر والمنع عن القبح» (٣).

قلت: فيحمل الأمر في زمن الحرب على الوجوب كما في الآية، أما في غير الحرب فإن الحكم يدور مع المصلحة الراجحة، فإن كانت المصلحة في الغلظة كان هو الواجب، وإن كانت في اللين كان هو الواجب.


(١) قال الوزير ابن هبيرة في كتابه الإفصاح (٢/ ٣٠٠): " واتفقوا على أنه يجب على أهل كل ثغر أن يقاتلوا من يليهم من الكفار، فإن عجزوا ساعدهم من يليهم، ويكون ذلك على الأقرب فالأقرب ممن يلي ذلك الثغر ".
(٢) أحكام القرآن (٣/ ٢٠٧ - ٢٠٨).
(٣) تفسير حدائق الروح والريحان (١٢/ ١٠٥).

<<  <   >  >>