للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الهروي معقباً كلامه السابق: «وفي الآية إيماءٌ إلى أنه قد يحتاج حيناً إلى الرفق واللين، وآخر إلى العنف والشدة، لا أن يقتصر على الغلظة فحسب، فإن ذلك مما ينفر، ويوجب تفرق الناس عنهم. وإنما أمروا بذلك في القتال، وما يتصل بالدعوة إلى الإسلام للإرشاد، إلا أنه يجب أن تكون حالهم في الأمور العامة مبنية على الرفق والعدل والتؤدة في المعاملة، ومن ثم صار ذلك من أخص صفات المسلمين» (١).

(١١) قوله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨]

معنى الآية: أي وقلنا له: ناد الناس داعياً لهم إلى الحج، وزيارة هذا البيت، الذي أمرت ببنائه، يأتوك مشاة على أرجلهم، وركباناً على ضوامر من الإبل (٢)، من كل طريق بعيد، ثم بيّن السبب من هذه الزيارة فقال: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ من المنافع الدينية والدنيوية (٣).

قال الجصاص: «قال أبو بكر ظاهره يوجب أن يكون قد أريد به منافع الدين، وإن كانت التجارة جائزة أن تراد، وذلك لأنه قال ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٧ - ٢٨] فاقتضى ذلك أنهم دعوا وأمروا بالحج ليشهدوا منافع لهم، ومحال أن يكون المراد منافع الدنيا خاصة؛ لأنه لو كان كذلك كان الدعاء إلى


(١) المصدر السابق.
(٢) الإبل الضوامر:
وقال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن (٥١٢): " الضامر من الفرس: الخفيف اللحم من الأعمال لا من الهزال " ثم ذكر الآية.
(٣) انظر: تفسير حدائق الروح والريحان للهرري (١٨/ ٣٠٨ - ٣٠٩).

<<  <   >  >>