للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنهن شققن أزرهن فاختمرن، أي: سترن وجوههن بها امتثالاً لأمر الله في قوله تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ المقتضي ستر وجوههن. وبهذا يتحقق المنصف: أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السنة الصحيحة المفسِّرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر الله في كتابه. ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ إلاَّ من النبي لأنه موجود، وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، والله -جل وعلا- يقول: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]، فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن.

وقال ابن حجر في فتح الباري: ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن صفية ما يوضح ذلك: ولفظه: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت: إن لنساء قريش لفضلاًّ، ولكن والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل، ولقد أنزلت سورة النور ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلاَّ قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح متعجرات (١) على رؤوسهن الغربان. انتهى محل الغرض من فتح الباري (٢).

ومعنى متعجرات مختمرات كما جاء موضحاً في رواية البخاري المذكورة آنفاً. فترى عائشة مع علمها، وفهمها وتقاها أثنت عليهن هذا الثناء العظيم، وصرحت بأنه ما رأت أشد منهن تصديقاً بكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل. وهو


(١) متعجرات: أي ملقين خمرهن على روؤسهن، مع رد طرفهن على وجوههن.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٦/ ٢٦٦٢).
(٢) فتح الباري (٨/ ٤٩٠).

<<  <   >  >>