فقيل هو للوجوب؛ لأنه الأصل، وعزاه القرطبي إلى قول أهل العلم.
وقيل: هو محمول على الندب.
قلت: ولعل الصارف عندهم كونه منسوخاً - كما ستأتي الإشارة إليه -، وقد تقرر في الأصول أن الواجب إذا نسخ بقي الندب.
والأول أولى؛ لأنه أستر للعورة، والشرع حرّم النظر إليها وسدّ كل طريق يؤدي إلى هذا الممنوع وذلك هنا بالاستئذان، وترك الحرام واجب، ووسيلة الواجب واجبة.
وهاهنا تنبيهان: التنبيه الأول: اختلف العلماء في كون هذه الآية محكمة أو منسوخة، والجمهور على كونها محكمة، وبعضهم يرى أن الحكم شُرع لمعنى وقد زال ذلك المعنى، فزال هذا الحكم لزواله.
يقول الموزعي:«سئل ابن عباس بن عباس ﵄ عن هذه الآية فقال: لا يُعْمل بها اليوم، وذلك أن الناس كانوا لا سُترة لهم، ولا حجاب، فربما دخل عليهم الخدم والولد وهم في حال الجماع، فأمر الله جل ذكره بالاستئذان في هذه الأوقات المذكورة، ثم جاء الله سبحانه بالسِّتر، وبسط الرزق، فاتخذ الناس الأبواب والسُّتور، فرأى الناس ذلك كفاهم عن الاستئذان الذي كانوا أمروا به. وكذا قال مالك لما سُئل عن الآية. وقال أكثرهم: حكم هذه الآية باقٍ ولم ينسخ، ولم يزل»(١).
(١) تيسير البيان (٤/ ٩٣ - ٩٤)، أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ١٣٩٦).