وتخريج الحكم: أن الأمر في قوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ يقتضي الاجتناب المطلق الذّي لا ينتفع معه بشيء من المسكر. وهو أمرٌ بمعنى النهي، فيقتضي تحريمه، وفساد الصلاة به؛ لأنّ النّهي يقتضي التحريم والفساد.
وقد دلت الآية على نجاسته بقوله: ﴿رِجْسٌ﴾، والرجس هو: النّجس.
نوقش: بأن النجاسة هنا حكمية لا حسية. ويؤيد ذلك قوله: ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾
قال الشيخ العثيمين:«أنّ المراد بقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ هو الخمر، وهو الشراب المسكر الذي أعدّ لذلك الذي يؤدّي شربه إلى المفاسد التي جعلها الله مناط الحكم في التحريم، وقد بيّن ذلك في الآية التي بعدها بقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾ [المائدة ٩١]، فإذا كان لهذه الكحول منافع خالية من هذه المفاسد فإنه ليس لنا القول بتحريمها إلا بدليلٍ ناهضٍ، ولا دليل، وغاية ما يمكن أن يقال فيها: أنها من الأمور المشتبهة، والمشتبه إذا احتيج إليه فإنه يزول عنه حكم الاشتباه كما هو مقرّرٌ في القواعد الفقهية»(١).
والجواب: بل النجاسة حقيقية وليست حكمية؛ لأنّ التّحريم كان لذات الخمر، وما كان لذاته وعينه؛ فإنّه يدلّ على نجاسته. وهذا من القواعد التي يُخرَّج عليها هذا الحكم.
قال ابن قدامة: «الخمر نجسة في قول عامة أهل العلم؛ لأن الله حرمها
(١) مجموع فتاوى ابن عثيمين (١١/ ٢٥٤ - ٢٥٦)، وينظر: مجموع فتاوى ابن باز (١٠/ ٣٨) حيث يرى عدم نجاستها مع تحريم التطيب بالطيب المعمول من الكالونيا.