للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُقَرِّب إلى الله، ولا أمرَ به أمْرَ إيجاب، ولا أمْرَ استحباب، فإنَّ مجرَّد كون الرجل يعلم ما غاب عن الشاهد لا يقرِّبُ العبدَ إلى الله، إنما يقرِّبه فِعْل الواجبات والمستحبات.

ولهذا قد يَطَّلع الجنُّ والشياطين على ما لا يَطَّلع عليه (١) الصالحون، وكذلك الطيور والبهائم، فقد قال الهدهد لسليمان: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: ٢٢]، وقد أخبرَ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «إن البهائمَ تسمعُ أصواتَ المعذَّبِين في قبورهم» (٢)، ولهذا يُذْهَب بالبهائم إذا أصابها المغل إلى قبور الكفار والمنافقين، فإنه يحصل لها بسماع أصواتهم من الفَزَع ما يطلق بطونهم، فإن الفزعَ يطلق البطنَ (٣).

وأيضًا ففي «الصحيحين» (٤) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن الجنازة إذا احتملها الرجال تقول: يا ويلها أن يُذهب بها، فيسمع صوتَها كلُّ شيء إلا الإنسان» (٥). ولم تكن الجن والبهائم أفضل بذلك من الصالحين.

والكُهَّان قد كانت الجنُّ تخبرهم بما تَسْترقه من السمع، ولم يكونوا بذلك خيرًا من الصالحين، بل هم من المذمومين لا الممدوحين، ونظائر


(١) «لا يطلع عليه» مطموسة في (ت).
(٢) أخرجه البخاري (٦٣٦٦)، ومسلم (٥٨٦) من حديث عائشة - رضي الله عنها - بنحوه.
(٣) ينظر «مجموع الفتاوى»: (٣٥/ ١٣٩)، و «مختصر الفتاوى المصرية» (ص ٢٧٠).
(٤) أخرجه البخاري (١٣١٤)، والنسائي (١٩٠٩)، وأحمد (١١٣٧٢) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -. وليس في «صحيح مسلم».
(٥) من قوله: «ولهذا يُذهب ... » إلى هنا زيادة من (ت).