للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكلُّ شيخٍ سالك لم يقم بالأمر والنهي متابعًا في ذلك للكتاب والسنة والإيمان= فإنَّ الله لم يُرِد به خيرًا، كما ثبت في «الصحيح» (١): «مَن يُرِد الله به خيرًا يُفَقِّهه في الدين». فمن لم يُفَقَّه في الدين لم يُرد به خيرًا.

فمن سلك الطريق شاهدًا لتوحيد الربوبية، غير متفقِّهٍ في الأمر والنهي ولا عاملٍ بذلك، فإنه ضالٌّ مُضل، ولا بد أن يتناقض في طريقه لينظر في حقوق الله تعالى بعين القدر، وفي حظوظه بعين هواه، إذا نظر إلى الكفار والفجَّار نظر بعين القدر، وإذا نظر إلى من آذاه أو قَصَّر في حَقِّه ــ ولو كان من خيار أولياء الله ــ نظر بعين الهوى، فذمَّه وعابَه (٢) وطلبَ عقابَه، وربما سعى في قتله بباطنه أو ظاهره لهوى نفسه لا لحقِّ ربِّه، وإن لم يقتله سلبه حاله، لنوع من الحسد والهوى لا لأجل الأمر والتقوى، ويقول: إني متصرِّف بالأمر، والأمر مجمل لا يُفرّق بين الأمر الإلهي النبوي الشرعي الذي بَعَث به رسولَه، وبين أمرٍ نفسانيٍّ أو شيطاني يُلقى في باطنه من جهة النفس والشيطان.

والأحوال ثلاثة: رحماني، ونفساني، وشيطاني (٣).

فالرحماني ما وافق الكتاب والسنة، وما خرج عنهما فمِنَ النفسِ والشيطان، والله ورسوله بريئان منه وإن كان واقعًا بالقدر.


(١) البخاري (٧١)، ومسلم (١٠٣٧) من حديث معاوية - رضي الله عنه -.
(٢) (م): «وعبابه»، ولعل الصواب ما أثبته.
(٣) تكلم المصنف على هذه الأحوال في عدد من مصنفاته، انظر: «الفتاوى»: (١٠/ ٦١٣)، (١١/ ٦٣٥)، (٢٧/ ٤٩٧)، (٣٥/ ١٠٨ - ١١٩)، وابن القيم في «الروح» (ص ٥٨٣ - ٥٨٧)، و «مدارج السالكين»: (٢/ ٤٨١ - ٤٨٢).