للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سعادة، ولو حَصَّل جميعَ علومهم، واتصف بما يأمرون به من الأخلاق والتدبير والسياسة، حتى لو قُدِّر أن ما عَلَّقوا به النجاةَ والسعادةَ من العلوم والأخلاق بوحي من الله، كما كان ذلك معلقًا بما جاء به موسى وعيسى والنبيون= لكان بعضُ ذلك منسوخًا بما بعث الله به محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، فكيف وليس الأمر كذلك؟!

ولهذا كان مَن لم يعتصم بالملل منهم شرًّا من اليهود والنصارى، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٦٢]، فقد بيَّن سبحانه وتعالى أن الموجب للنجاة والسعادة في الدار الآخرة هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وهؤلاء مقصِّرون غاية التقصير فيما عندهم من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، ولو قُدِّر أن الذي عندهم كافٍ في السعادة إذا كانوا صابئين فاليهود والنصارى خير منهم.

ثم مَن لم يؤمن بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من اليهود والنصارى فهو كافر شقيٌّ مُعَذَّب في الآخرة، فكيف إذا كان من الصابئين الحنفاء؟! فكيف إذا كان من هؤلاء الفلاسفة الذين هم من الصابئة المشركين، وقد بيَّن الله سبحانه أن الدين عند الله الإسلام، وأنه لا يقبل دينًا غيره، ولهذا كان الإسلامُ دينَ جميع النبيين.

وأصل دين الإسلام: أن يُعبد الله وحدَه لا شريك له (١). وهؤلاء


(١) «وأن لا يُعبد إلا بما شَرَع» كما سبق للمصنف هنا (ص ١١٩، ١٥٣، ٢٢٨)، وفي غير موضع من كتبه.