للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعقول العشرة التي يثبتونها إذا حُقِّق الأمر فيها لم يكن لها ــ أيضًا ــ وجود إلا في الأذهان لا في الأعيان، [م ٩١] بل يسمونها: مجردات، هي عند التحقيق ما يُجَرِّده العقل من المعقولات الكلية التي انتزعها من المحسوسات. والمعقولات الكلية المنتزعة من المحسوسات هي أمور ثابتة في الذهن، وهي أمور كلية، سواء كانت شيئًا مفردًا أو كانت قضية مركَّبة من موضوع ومحمول.

وإذا حُقِّق الأمرُ على القوم فلا يثبتون موجودًا في الخارج إلا الفلك وما حواه، وما يثبتونه من العقليات غير ذلك، فلا وجود لها في الحقيقة إلا في الذهن، وهذه جملة مختصرة مبسوطة في غير الموضع نَبَّهنا عليها هنا لارتباط الكلام بها (١).

والذين تصوَّفوا وتألَّهوا وسلكوا مسلك التحقيق والعرفان على طريقة هؤلاء كان منتهاهم إثبات هذا الموجود (٢) المشهود، وهو الفلك وما حواه، وهذا غاية ابن سبعين وابن عربي والتلمساني وأمثالهم.

وهو حقيقة قول فرعون، لكنَّ هؤلاء سموا هذا: الله، وظنوا أنه الله، وفرعون كان أحذقَ منهم وأخْبَر، فعَلِمَ أنه ليس هو الله، وكان يثبت صانع العالم، لكن جَحَده ظلمًا وعلوًّا، لهذا لمَّا قال لموسى: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٢٣]، قاله على طريق استفهام الإنكار، يقول: هذا الذي تقول إنه


(١) انظر «درء تعارض العقل والنقل»: (٥/ ١٦٨ وما بعدها)، (٦/ ٣٦ وما بعدها)، و «الفتاوى- مختصر الرد على منطق اليونان»: (٩/ ١٣٩).
(٢) كذا في (م)، ولعلها: «الوجود».