للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنهم خلطوا الكلام في هذا الروح بروح ابن آدم، ولهذا قال: «فلما استنشق من مبادئ صفاته كاد يقول: هو الله، فلحقته العناية الأزلية فنادته: ألا إنَّ هذا الموجود هو الذي لا يجوز لأحدٍ أن يصفه، ولا أن يعبِّر عن شيء من صفاته لغير أهله».

وهم يحتجون على هذا بقوله: {الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [الإسراء: ٨٥]. وفي كلام صاحب «الإحياء» وأمثاله طرف مِن هذا، والقرآن ليس فيه النهي عن وصف روح ابن آدم، ولا النهي عن التعبير عن شيءٍ من صفاتها، بل الأحاديث والآثار مملوءة من وصف الروح، وأنها تصعد وتنزل، وتكون طيبة وخبيثة، ومنعَّمَة ومعَذَّبة، وأنها تسمع وتبصر وتتكلم، وغير ذلك من صفاتها المذكورة في الأحاديث النبوية والآثار السلفية.

وأما قوله: «فأمدَّه بنور سرِّ الروح فإذا هو قاعد على باب ميدان السر، فنظر فعرف أوصاف الروح الرباني بنور السرِّ، فرفع همَّتَه ليعرف هذا الموجود الذي هو السر، فعمي عن إدراكه، فتلاشت جميعُ أوصافه، كأنه ليس بشيء» (١).

فيقال: هذا مبنيٌّ على إثبات ما بعد الروح وهو السر، وآخرون يقولون: سر السر. وهم إن (٢) عَنوا به صفات روح الإنسان كان ممكنًا، وإن عَنوا به جوهرًا ثابتًا، فهذا باطل. ثم إنه يريد أن يثبت في العالم شيئًا آخر وهو سرُّ


(١) سبق النص (ص ١٦١).
(٢) كانت في (م): «وإن» ثم ضرب على الواو.