للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوافق هواه. فصار في بعضهم بدعة وتفرُّق من هذا الوجه. وكان بين هؤلاء وهؤلاء نزاع في أمور، وقد ذكر بعضَ أخبارِهم أبو سعيد بن الأعرابي فيما صنَّفه من أخبار النُّسَّاك (١). وذكر ذلك مَعْمر بن زياد الأصبهاني (٢) وغيرهما من الشيوخ الذين لهم معرفة وتحقيق.

وأما قوله: «حتى إذا آنست بصيرته بترادف الأنوار عليها برز اليقين عليه بروزًا لا يعقل فيه شيئًا مما تقدم له من أمر المنازل الثلاثة، فهناك يهيم ما شاء الله» (٣).

فهذا كلام مَن يصف حالَ بعضِ الناس، ولعله يصف سلوكَ نفسِه، وإلا فمعلوم أن جماهير أولياء الله السالكين لا يهيمون، ولا يزول عنهم عقل ما كانوا عليه. والسابقون الأوَّلون [م ٥٨] من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان لم يكونوا هائمين في طريقهم، ولا مسلوبي عقلٍ في سلوكهم، بل كانوا مؤيَّدين بالعقل واليقين والمعرفة، كما قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فيهم: «كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا وأعمقَها عِلْمًا وأقلَّها


(١) سبق التعريف به (ص ١٢٠).
(٢) هو: معمر بن أحمد بن محمد بن زياد أبو منصور الأصبهاني، الزاهد. كبير الصوفية بأصبهان (ت ٤١٨). ترجمته في «تاريخ الإسلام»: (وفيات ٤١٨، ص ٤٥٤ - ٤٥٥) للذهبي، و «النجوم الزاهرة»: (٤/ ٢٧٠).
وكتابه الذي أشار إليه المصنف نقل منه في «الدرء»: (٧/ ١٤٨) وسماه «أخبار شيوخ أهل المعرفة والتصوف»، وسماه في «الفتاوى»: (٣٥/ ٤١) «أخبار الصوفية» ونعت مصنفَه بالإمام.
(٣) سبق النص (ص ١٥٩).