رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أول ما خَلَقَ الله العَقلَ»، وفي خبر آخر:«قال له: أقبل، فأقبل ... » الحديث، فأُعْطي هذا العبد الذل والانقياد لنور هذا الموجود، إذ لا يقدر على حَدِّه وغايته فعَجَز عن معرفته، فقيل له: هيهات لا تعرفه بغيره، فأمدَّه الله جل وعلا بنور أسمائه، فقطع ذلك كلمح البصر أو كما شاء الله، نرفع درجاتٍ من نشاء» (١).
فيقال: هذا مبنيٌّ على أصول الفلاسفة المخالفة لدين المسلمين واليهود والنصارى، وقد توجد طائفة [م ٥٩] من كلامهم في كتب أبي حامد وأمثاله ممن يصنفون ويَخْلِطون ذلك بما هو من أصول الفلاسفة. فإنَّ هذا العقل الذي يَدَّعونه ويَصِفونه مناقض لدين الرسل.
أما العقل الأدنى إلينا الذي يسمُّونه العقل الفعَّال، ويقولون: كل ما تحت فلك القمر من فيضه. ويقولون: إن الكتب الإلهية إنما نزلت على قلوب الأنبياء منه، وأن الكلام الذي حصل لموسى كان منه.
ثم تارة يقولون: هو جبريل الذي {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}[التكوير: ٢٤]، وتارة يجعلون جبريل ما يتشكَّل في نفوس الأنبياء من الخيال، كالخيال الذي يحصل للنائم.
ولهذا يدَّعي مَن يدَّعي منهم أن الأولياء والفلاسفة أفضل من الأنبياء، حتى قال ابن عربي: إن الرسل جميعهم إنما يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، فقال: «ليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء. وما يراه
(١) من قوله: «ثم يمده ... » إلى هنا من كلام الشاذلي، انظر ما سبق (ص ١٥٩ - ١١٢).